مرايا – اكتملت الأحد، منظومة التحديث السياسي والاقتصادي بإجراء تحديث حقيقي على منظومة القطاع العام محورها الاهتمام بالمواطن، من خلال محاور خدماتية ومؤسسية وتشريعية.
وتنفيذا لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني، قرر مجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء بشر الخصاونة، وفي 22 كانون الأول/ديسمبر 2021، تشكيل لجنة لتحديث القطاع العام، حيث قال الخصاونة حينها، إنَّ تحديث القطاع العام بات ضرورة باعتباره رافعة أساسيَّة للإصلاح الاقتصادي والإصلاحات المرتبطة بتحديث المنظومة السياسيَّة.
جلالة الملك عبدالله الثاني أكد في 11 كانون الثاني/يناير الماضي، أهمية التزام لجنة تحديث القطاع العام بتحديد أهدافها بوضوح وربط نتائجها بجدول زمني للتطبيق، معرباً عن تطلعه لرؤية مخرجاتها وتوصياتها في وقت قريب.
وشدد جلالته، على ضرورة المضي بقوة وبجدية في الإصلاح الإداري، قائلا “نريد إصلاحاً إدارياً يلمس المواطن أثره”.
وتشكَّلت اللجنة برئاسة رئيس الوزراء، وعضويَّة عدد من الوزراء والمسؤولين المختصِّين، وخبراء ممَّن لديهم الخبرة والتجربة في الإدارة العامَّة، وشخصيَّات من القطاع الخاص.
ومرارا شدد الخصاونة، على أن الحكومة ملتزمة بإنفاذ توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني في إصلاح القطاع العام وتنميته وتفعيله وإزالة المعيقات البيروقراطية أمامه.
وبشأن محاور الخطة، فإن محور الخدمات يشمل تطوير الخدمات الحكومية: تسهيل الوصول إليها، ورفع جودتها، وتسريع رقمنتها، وتبسيط الإجراءات.
أما المحور المؤسسي؛ يشمل النهوض بفاعلية وكفاءة القطاع العام من حيث تطوير الهيكل المؤسسي، تعزيز الحوكمة والامتثال، تطوير آلية التخطيط والتقييم وصنع القرار، وتطوير القوى العاملة والثقافة المؤسسية.
ويشمل المحور التشريعي تحديث التشريعات الناظمة لتطوير القطاع العام ومواءمتها مع أفضل الممارسات الدولية
وجرى تصميم برنامج تحديث القطاع العام عن طريق البناء على الدروس المستفادة من الوثائق والدراسات وخطط التطوير السابقة، واعتماد نهج العمل التشاركي من خلال تشكيل فرق عمل متخصصة، وعقد اجتماعات وورش عمل نقاشية مع المعنيين، إضافة إلى إجراء دراسات استقصائية وتحليل قطاعي.
وعقدت لجنة تطوير القطاع العام أكثر من 100 اجتماع وورشة عمل مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص والقطاع المدني، إضافة إلى مراجعة أكثر من 200 وثيقة متعلقة بكل المحاور للاستفادة من الدروس والأنظمة السابقة.
وعملت اللجنة على تحليل أكثر من 40 معيارا قياسيا ومؤشر أداء حكومي، إضافة إلى إجراء دراسات استقصائية شملت أكثر من 2400 موظف حكومي، وأكثر من 20 مركزا لتقديم الخدمات.
ودرست اللجنة نماذج أكثر من 12 دولة لفهم التوجهات العالمية في إدارة القطاع العام، واستعانت الاستعانة بخبراء محليين ودوليين يزيد عددهم عن 20، فيما أجرت تحليلا معمقا لواقع الإدارة العامة في 4 قطاعات: المياه والصحة والتعليم، والثقافة المؤسسية في قطاع الصناعة والتجارة.
وفي 30 كانون الثاني/يناير الماضي، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني، مواصلة مسيرة التطوير للبناء على ما أنجزه الآباء والأجداد، تزامنا مع بدء العام الأول في المئوية الثانية من عمر الدولة الأردنية.
ودعا جلالته إلى تجاوز التحديات التي تواجه الأردن بعزم لا يلين، وبإرادة صلبة، وبتخطيط مؤسسي سليم، وبرؤية واضحة.
وقال إن الشعب الأردني أثبت خلال الأعوام المئة الماضية أن “الصعاب لا تزيده إلا إصرارا على تجاوزها، وبرهن الأردن أنه أرض الخير، ووطن الإنجاز والتميز، رغم محدودية موارده”.
مسيرة إصلاح مستمرة
جلالة الملك عبدالله الثاني، عهد إلى سمير الرفاعي، في 10 حزيران/يونيو 2021، برئاسة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ومهمتها وضع مشروع قانون جديد للانتخاب ومشروع قانون جديد للأحزاب السياسية، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكما بالقانونين وآليات العمل النيابي.
وتكونت اللجنة من 92 عضوًا يمثلون مختلف الأطياف السياسية والفكرية ومختلف القطاعات، توزعوا ضمن ست لجان فرعية هي: لجنة الانتخاب، لجنة الأحزاب السياسية، لجنة تمكين الشباب، لجنة تمكين المرأة، لجنة الإدارة المحلية، ولجنة التعديلات الدستورية المتصلة بقانوني الانتخاب والأحزاب وآليات العمل النيابي.
ونشرت اللجنة في 3 تشرين الأول/أكتوبر 2021، نتائج وتوصيات توافقت عليها شملت مسودتي مشروعي قانونين جديدين للانتخاب والأحزاب السياسية والتعديلات الدستورية، وكذلك التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة.
وأكد جلالة الملك خلال تسلمه تقرير اللجنة الملكية في ختام أعمالها، أن المنظومة تُشكل مرحلة جديدة ومفصلية ضمن مسارات تحديث الدولة في مطلع مئويتها الثانية، والتي تمضي بشكل متوازٍ مع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية التي تعمل الحكومة على تنفيذها.
الحكومة، أقرت التعديلات المتعلقة بمشروعي قانوني الانتخاب والأحزاب والتعديلات الدستورية المرتبطة بهما وأرسلتها إلى مجلس النواب بصفة الاستعجال لمناقشتها خلال دورته العادية.
وبالفعل، صوت مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان خلال شهر كانون الثاني/ يناير الحالي، بالموافقة على جميع مواد مشروع تعديل الدستور لعام 2021، لتستمر إلى توشيحها بالإرادة الملكية السامية وتنشر في الجريدة الرسمية.
وتناقش اللجنة القانونية في مجلس النواب، حاليا مشروعي قانوني الأحزاب السياسية والانتخاب، قبل عملية إقرارها لإكمال مراحلها الدستورية.
جلالة الملك أكد في رسالته الأحد، أن الأردن “تعامل مع تحديات أمنية على الحدود، وانقطعت طرق حيوية للتجارة، وتراجع الدعم الخارجي، مما أدى إلى تباطؤ مسيرة الأردن”.
وأشار إلى أن مسيرة الأردن عانت أيضا من ضعف في العمل المؤسسي، وتلكؤ في تنفيذ البرامج والخطط، وتمترس بيروقراطي، وانغلاق في وجه التغيير، وتغول للإشاعة، وتغييب للحوار العقلاني الموضوعي إضافة إلى ما خلفته أزمة كورونا من أعباء اقتصادية واجتماعية.
جلالته، أكد أيضا أن “المسيرة تباطأت لكنها لم تتوقف”.
نحو إصلاح اقتصادي
وفي الشأن الاقتصادي، وجه جلالة الملك عبد الله الثاني، الديوان الملكي الهاشمي، للبدء بتنظيم ورشة عمل وطنية في بيت الأردنيين، تجمع ممثلين من أصحاب الخبرة والتخصص في القطاعات الاقتصادية، وبالتعاون مع الحكومة.
وقال جلالته، إن الهدف من الورشة، وضع رؤية شاملة وخارطة طريق محكمة للسنوات المقبلة، تضمن إطلاق الإمكانيات، لتحقيق النمو الشامل المستدام.
وأضاف أن الرؤية الشاملة يجب أن تكفل مضاعفة فرص العمل المتاحة لأبناء وبنات الشعب الأردني، وتوسيع الطبقة الوسطى ورفع مستوى المعيشة لضمان نوعية حياة أفضل للمواطن.
وتابع جلالته أن “العمل جار على وضع آلية تكفل المتابعة الحثيثة لتنفيذ هذه الرؤية في كل القطاعات، وتضمن اتخاذ الخطوات الكفيلة بالتغلب على المعيقات، وهدفنا أن تسهم هذه الآلية في ضمان الاستمرارية في الإنجاز للحكومات والمسؤولين، والحيلولة دون إعادة صياغة الخطط والاستراتيجيات كلما حلت حكومة محل أخرى”.
وأكد جلالته أن “هذه الآلية ستخضع لمتابعة شخصية منه، لتشكل الرؤية الوطنية الشاملة وما تتضمنه من خطط وبرامج، المرتكز الأساسي لكتب التكليف للحكومات، بحيث تبني على ما أنجزته سابقاتها، فيتواصل الإنجاز وتتحقق ثماره إصلاحات شاملة وخدمات فاعلة، وتطورا اقتصاديا وإداريا، وفرص عمل”.
والأحد، أوضح جلالته بخصوص رؤيته للمستقبل قائلا “أرى ملامح ذلك المستقبل بكل وضوح، نريده مستقبلا مشرقا نعزز فيه أمننا واستقرارنا، ونمضي خلاله في مسيرة البناء إلى آفاق أوسع من التميز والإنجاز والإبداع، نريده مستقبلا نستعيد فيه صدارتنا في التعليم، وننهض فيه باقتصادنا، وتزداد فيه قدرات قطاعنا العام وفاعليته، ويزدهر فيه قطاعنا الخاص، فتزداد الفرص على مستوى متكافئ، ونواجه الفقر والبطالة بكل عزم، ونحد من عدم المساواة، وينطلق شبابنا في آفاق الريادة والابتكار”.
وتطرقت الأوراق النقاشية السبعة لجلالة الملك، إلى رؤيته لمستقبل الديمقراطية في الأردن وخارطة الإصلاح مشيرا خلالها إلى أن “مسار تعميق ديمقراطيتنا يكمن في الانتقال إلى الحكومات البرلمانية الفاعلة”.
وتحدث جلالة الملك عن سيادة القانون وهو الأساس الحقيقي الذي تُبنى عليه الديمقراطيات والاقتصادات المزدهرة والمجتمعات المنتجة، وهو الضامن للحقوق الفردية والعامة، والكفيل بتوفير الإطار الفاعل للإدارة العامة، والباني لمجتمع آمن وعادل.
وأكد جلالته في الورقة النقاشية الثانية، أن “مبادئ مسيرتنا ونهجنا الإصلاحي راسخة وواضحة، فنحن ملتزمون برعاية وتعزيز مبدأ التعددية السياسية وصون حقوق جميع المواطنين، ومستمرون أيضا في تطوير منظومة من الضوابط العملية لمبادئ الفصل والتوازن بين السلطات وآليات الرقابة من أجل بناء نظام ديمقراطي سليم”.