مرايا – كتب: د.ذوقان عبيدات
لم توفَّق لجنة تطوير التوجيهي بسبب اختطافها من قبل الامتحانيين الجدد، مدعومين بغير المهتمين، لم توفَّق في معالجة “مصدِّعات ” التوجيهي فأسرفت في تعقيدات العلامات المعيارية والحوكمة وبنوك الأسئلة، واختبار الاستجابة للفقرة الذي لا يعني شيئًا! إذن: بدل أن تقترح ما يقلل المصدعات، زادتها عشرات الأضعاف!
بعيدًا عن اللجنة المختطفة من الامتحانيين، إنّ ما يقلق المجتمع والطلبة من التوجيهي هو هالة الرعب التي صنعتها تقاليد وزارة التربية، وكشرتها في كل مراحل العملية بدءًا من الإعلان عن المواعيد وتقاليد تقديم الطلبات وتسريبات عن أنواع الأسئلة وتعليمات الغش، وتعليمات المراقبة، ونسب النجاح والرسوب، وتعليمات القبول الموحّد وغيرها؛ وصولًا إلى بروتوكولات الاستعراض والكاميرات، والوفود الزائرة والحراسة الأمنية – بالمناسبة الحراسة الأمنية هي نتيجة الجمود والكشرة والقلق الناتج عن صرامة العاملين في الامتحان- وبعد ذلك تبدأ تسريبات النتائج ومواعيدها، والتخطيط لمؤتمر صحفي رجعي يهنئ الناجحين، ويشيد بالعشرة المبشّرين، والأسوأ من ذلك يتمنى حظّا أوفر لمن لم يحالفهم الحظ! وكأن النجاح حظ لا جهد!! هل هناك أسوأ من هذه الرجعية التربوية ؟!!
معالي الوزير،
حضرات كبار المسؤولين،
لا أدلكم على طريقة تنجي طلابنا من عذاب أليم! فأنتم لا شك تعرفونها – أو أتمنى – أكثر مني:
1-التوترات المجتمعية ناتجة عما تفعله الوزارة من إعلام وإجراءات. وهذا ما هو غير موجود في الاختبارات الدولية جميعها!
2- لم يشهد اختبار دولي أيَّ زيارات من مسؤولين، وليس فيه مراقب يصرخ ويهدد، وليس فيه زوار يبتسمون للكاميرات ويحنون على الأطفال حنوّ المرضعات!
3-ليس لدي معلومات، لكن لم أسمع في اختبار دولي أن 325 طالبًا حرموا بسبب الغش.
4-لم أسمع في الاختبارات الدولية من هم العشرة الأوائل ولا نسبة النجاح، ولا من لم يحالفهم الحظ!
5-لم أسمع أن وزيرًا مدجّجًا بأركانه يعقد مؤتمرًا صحفيا، يتحدث فيه كل ما هو ليس ضروريّا!
6-ومع ذلك يفرح الجميع مطمئنين على مترتبات الامتحان.
7-وهل تعلم معالي الوزير أن إطلاق النار لا يحدث إطلاقا في الامتحانات الدولية!
8-لم تتحرك قوى الأمن والملثمون حول قاعات الامتحانات الدولية، وربما كان الأمن لا يعرف موعدها!
معالي الوزير،
حضرات كبار أركانه،
ليس الوقت مناسبًا لاقتراح ما يمكن فعله لكن كل الأزمات، والتوترات، والحراسات، والغش، والملثمين قد تكون نتائج طبيعية لكشرة الوزارة واجراءاتنا، والهالة التي نحيط بها امتحان التوجيهي. فالامتحانيون الجدد والقدماء من حولكم يؤمنون بأن الامتحان هو امتحان لهم ولقدراتهم وتطلعاتهم، وأنّ في الامتحان يُكرم المرء أو يُهان!!
لنعترف معالي الوزير بالمبادئ الآتية:
1- نحن بالرغم من تقاليدنا ونجاحاتنا لم نستطع إعداد اختبار يقيس ما يجب قياسه من أهداف التعليم، وأن فنيّيكم يفاخرون بأن الأسئلة جميعها هي من الكتاب، وأن الحفّاظ هم الناجحون، وأن كثيرًا من الحفّاظ ينسون معظم الأعراض التي كتبوها! إذن: نحن نقيس كثيرا مما لا قيمة له، ولا علاقة له بأهداف التعليم في بناء الشخصية.
2- وعلى المستوى الفني، هناك أخطاء في أوراق الامتحان يمكن تفاديها، أو عدم إثارة ضجة حولها: نفيا أو اعترافا.لا أشكك في قدرة الوزارة على التدخل السريع، لكن يجب أن نطمئن الأهل مسبقا على احتمال حدوث خطأ، ويجب توعية الطلبة فورا بعدم ارتباكهم وهدر وقتهم.
3- نحن مظهريون ومحبّو استعراض، ولذلك، يمكن منع أي تصريحات منفلتة: صحيحة أو مؤذية في أثناء الإعداد للامتحان، أو في أثنائه أو بعده! أكرر بأن الامتحانات للبرامج الأجنبية ليس لها حراس ولا مبتسمو كاميرات.
5- هل لدينا دراسة لأثر زيارات المسؤولين على تحسين الامتحانات.؟ أو لتأثير إعلان الوزير للعشرة الأوائل.
6- هل لدينا دراسة لعلامات المسؤولين في امتحان التوجيهي، حين كانوا طلبة لنعرف العلاقة بين تاريخهم التحصيلي وإنجازاتهم الوظيفية ؟ علمت أن وزيرًا حصل على معدل خمسين؛ ولذلك صار يقسم على تغليظ إجراءته!
7- يقول علم النفس وعلم الدماغ: إن الدماغ لا يعمل جيدًا في ظل التهديد والخوف والرهبة والتوتر!
8- إن هيبة التوجيهي لا تستمد من صرامته، وليس من الضروري أن تكون له هيبة صناعية!
هذه مبادئ وحقائق غير جدلية
أنتقل منها إلى المؤتمر الصحفي لإعلان النتائج!
المؤتمر الصحفي
تعقد الوزارة مؤتمرًا صحفيّا لإعلان النتائج، وفي الوقت نفسه يكون كل طالب قد عرف نتيجته قبل ذلك، وهذا يعني أن إعلان النتائج ليس هدفًا تربويّا، بل هو هدف استعراضي لوزير لاحَتْ له فرصة ظهور إعلامي! يقدم الوزير معلومات عن عدد المتقدمين والحاضرين والغائبين، ليس لها قيمة معرفية أو دلالات تربوية.
ثم يقدم الوزير أسماء العشرات المحظوظين في كل تخصص، وهي معلومات لا يمكن تفسيرها مؤسسيّا! فالأول، قد يكون من مدرسة غير متفوقة مما لا يمكن استنتاج دور مدرسته في ذلك! وهكذا تتنوع العشرات الأوائل دون أي مبدأ بين مدارس خاصة أحيانًا مدارس بنات! مدارس قرى! مدارس مشهورة، مدارس مغمورة!
ولا داعي للتذكير بأن كبار الحفّاظ هم نتاج أنفسهم لا مدارسهم، وفي المؤتمر الصحفي يجيب الوزير عن أسئلة ساذجة لصحفيّين من الدرجة الثالثة لا يسألون بهدف الكشف عن معلومات!
إذن: لماذا المؤتمر الصحفي؟ وكيف نقلل التوترات للوصول إلى توجيهي هادئ؟!
هناك نوعان من الإجراءات: فنية تربوية، وإدارية.
أولًا: الإجراءات الفنية
سبق التحدث عنها في عشرات المقالات، وهي إجراءات سهلة فورية التطبيق:
1-امتحان توجيهي لا رسوب ولا نجاح فيه. يعطى كل طالب كشفًا بما حصل، يذهب به إلى حيث يريد، وبذلك تلغى تلقائيّا نسب النجاح والرسوب ربما قد يقلل توترات النجاح وحالات الغش، وصراعات وتنافسات ووصمات اجتماعية بالفش!.
2-وبعدها سنتمكن من تطوير أسئلة الامتحان بعد أن ضمن كل طالب نجاحه، فنبتعد عن قياس الحفظ والتذكر، وإعراب كلمة أو شبه جملة: (واحر قلباه) أو معنى: (قلبه شَبِم)…إلخ ذلك من معجزات اللغة العربية! وغيرها من “اللايذات”
التي يتلذذ بها ساديّو الامتحانات!
ستكون الوزارة قادرة على تقديم أسئلة رأي، وحل مشكلات وقضايا غير مجودة في الكتاب خاصة إذا كانت العلامة الدنيا خمسا وعشرين! وحينها قد نكتشف مبدعين قهرناهم من سبعين!!
3-احتساب خبرات الطالب وإنجازاته في حياته الدراسية بوصفها جزءا من وثيقة التوجيهي لكل طالب!
ثانيًا : إجراءات إدارية مثل
إلغاء ثقافة الامتحان وبناء ثقافة جديدة تقوم على الجهد والمسؤولية، وذلك من خلال:
1-إلغاء التهويش المحيط بالتوجيهي وعدم الإعلان المستمر عن أهميته ومواعيده وإجراءاته، وعقد جلسات الامتحان في المدرسة نفسها. تمامًا كما يحدث في أي امتحان!
2-إلغاء كل مظاهر الترهيب، والاستعراضات والمؤتمرات الصحفية والعشرة الأوائل.
3- تحرير طرق التدريس وفق متطلبات التوجيهي، وما يرافقها من ضغوط على المعلمين والطلبة!
هذه الاجراءات الفنية والإدارية ستحرر النظام التعليمي الأسير للتوجيهات، كما تحرر المعلمين والمناهج والتدريس والطلبة من شرٍّ اسمه التوجيهي!!