مرايا – بقلم: عمر كلاب
بهدوء
يبدو أن خطوط التلاقي والتباعد في الاداء البرلماني بين مجلسي النواب والاعيان, غير واضحة أو غير مرّسمة اصلا, بحيث يعرف كل مجلس حدود التلاقي والانفصال على قاعدة قانون الوحدة والصراع الذي يشكل الاساس النظري لفقه وجود المجلسين, فمجلس النواب تعبير عن ارادة الشعب الذي يختار ممثليه في مجلس الامة, فيما يقوم الملك باختيار مجلس الاعيان الذي يشكل ثلث مجلس الامة, في حالة الاجتماع المشترك, وتلك فلسفة تشريعية مهمة يبدو انها بحاجة الى تثقيف وتوضيح, حتى يعلم كل مجلس اصل دوره ومنهجية عمله, فالرقابة على الحكومة ليست في اصل ع?ل الاعيان, بل هي جوهر عمل النواب كما الرقابة والمساءلة, بدليل ان الثقة للحكومة يمنحها النواب وليس الاعيان, فيما المجلسان شريكان في التشريع قبل ان تأتي الارادة الملكية السامية على القوانين.
وفي كل الدول التي تعتمد نظام غرفتي التشريع, ثمة فواصل ومعايير, لا يجري الاعتداء على محدداتها, وفي حالتنا الاردنية, فإن مجلس النواب تعبير فردي بحسب قانون الانتخاب الذي سيرحل غير مأسوف على رحيله, بعد ان ادى ما عليه، فالنائب يأتي كحاصل مجموعة عوامل, منها الثقل العائلي او المناطقي, والاداء الفردي في مضمار خدمة المجتمع على الاصعدة المختلفة سياسيا واجتماعيا ودينيا, مما افضى الى مجلس قد لا يكون ممثلا بشكل كامل لقطاعات المجتمع المختلفة, سواء على صعيد الكفاءات المطلوبة او التلاوين السياسية والاجتماعية, فيأتي تشكيل ?جلس الاعيان لسد الثغرات والفجوات, وبالعادة أطر الدستور الفئات التي يأتي منها اعضاء مجلس الاعيان وهم بالعادة من اصحاب الخبرة المدنية والعسكرية او المتميزين في الاداء العام.
النواب اذن محصلة صناديق اقتراع بصرف النظر عن موقفنا او رأينا فيمن حصل على اعلى الاصوات, وبالتالي يكون النواب اقرب الى تحقيق مصالح ناخبيهم المناطقية او العشائرية او التجارية او القطاعية, وهذا يمنحهم حرية اكبر في التعبير ولكن يسحب منهم قدرا ليس قليلا من الحيادية والموضوعية, وهنا يأتي دور الاعيان المتحررين نسبيا من الضغط القطاعي والمناطقي والعشائري, لتجويد المخرجات التشريعية لتكون اكثر عدالة بين اصحاب المصالح المتضاربة او المتقاربة, وتأتي الارادة الملكية لتضمن مزيدا من العدالة الجمعية وازالة اي طغيان للمصالح,?ورأينا كيف اعاد الملك اكثر من قانون لمجلس الامة, فحتى الاعيان يكون بعضهم تعبيرا عن قطاعات لها مصالح مباشرة في التشريع المنظور, وهذا ليس خارجا عن المألوف في كل العالم.
لذلك يكون واجب النواب العودة الى قواعدهم عند الشروع في الثقة او التشريع ومحاولة تحقيق مصالح ناخبيهم الاقتصادية والمناطقية, وفتح حوارات وطنية على القوانين ذات الصبغة الشمولية, لكن الاعيان ليس من واجبهم ذلك, فهم معنيون بالتجويد وازالة التضارب, وبالتالي فهم اما يأنسون الى خبرائهم داخل مجلسهم, او يستعينون بخبراء من الخارج لمزيد من التطوير ولكن ليس من واجبهم الحوار العام ومنافسة النواب في دورهم, باستثناء المتضررين الذين ليس لهم ممثلون في مجلس النواب, فتلك الفئة يجب ان يكون الاعيان صوتهم, فمثلا على موائد الحوار ?ي القوانين الشمولية ثمة غائبون, فهم يكونون حصة الغائب, فمن سيمثل الاجيال القادمة في قانون الضمان الاجتماعي مثلا, او الارامل او الاطفال في قانون الطفل, بالاضافة هنا الى دور الحكومة في تمثيل الغائبين لكنني اتحدث عن السلطة التشريعية.
في المئوية الثانية من عمر الدولة, ومع شمولية الاصلاحات وتطوير التشريعات, كي ندخل القادم بثقة وثبات, يجب ترسيم الحدود والفواصل, ويجب ان يكون للغائبين من يدافع عنهم حتى تستقيم المسيرة.
omarkallab@yahoo.com