الملك دأب على تناول قضايا فلسطين والقدس واللاجئين والتسامح بين الأديان في خطاباته
يُلقي جلالة الملك عبدالله الثاني، الثلاثاء، خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 77، في نيويورك بعد عامين من إلقاء معظم قادة الدول كلماتهم عبر الفيديو خلال جائحة كورونا.
ووفق الجدول المخصص للمناقشة العامة، يُلقي الملك الكلمة بعد رؤساء دول البرازيل والسنغال وتشيلي، كما يعقد الملك لقاءات ثنائية مع قادة الدول ورؤساء الوفود المشاركين في اجتماعات الأمم المتحدة، لبحث آخر المستجدات الإقليمية والدولية وسبل تعزيز شراكة الأردن مع بلدانهم في مختلف المجالات.
وتمثل المناقشة العامة للجمعية العامة فرصة لقادة الدول، ورؤساء الحكومات للالتقاء في مقر الأمم المتحدة ومناقشة القضايا العالمية.
وتستمر المناقشة العامة التي تبدأ الثلاثاء حتى الاثنين المقبل.
الملك ركز في كلماته خلال الأعوام الماضية على القضية الفلسطينية، واللاجئين، والتسامح ومواجهة التطرف، والأزمات السورية والعراقية واللبنانية، والأمن الغذائي، والتغير المناخي، والاهتمام بالشباب.
حضور مستمر لفلسطين
القضية الفلسطينية كانت ثابتة في خطابات الملك، فنادى بوقف العنف والحل السلمي على أساس حل الدولتين، ووقف المستوطنات والإجراءات الأحادية وأكد دوما على الوصاية الهاشمية على القدس المحتلة ومقدساتها.
وقال إن أي محاولة لمحو الهوية العربية أو الإسلامية أو المسيحية للقدس— أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عليه
الملك أخبر العالم أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي استنزف الموارد التي نحتاجها لبناء مستقبل أفضل، وقال إنه نزاع يغذي نيران التطرف في جميع أنحاء العالم، وقد آن الأوان لإخماد هذا الحريق.
في عام 2013، تحدث الملك عن لاءات، بقوله “لا للاستمرار في بناء المستوطنات، لا لأي إجراءات أحادية الجانب من شأنها أن تهدد الوضع الراهن في القدس الشرقية، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية. إذ إن من شأن تلك التهديدات أن تشعل فتيل مواجهة بأبعاد دولية”.
وأعلن الملك في خطابه في 2014، عن “جمود خطير” يواجه التقدم نحو السلام وإنشاء دولة فلسطينية، وذكّر العالم بـ”حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه ودولته”، وأكد على “ضرورة خلق البيئة الضرورية لإعادة إطلاق مفاوضات الوضع النهائي، استنادا إلى مبادرة السلام العربية”.
وحدّث الملك العالم في 2016، عن حرمان الفلسطينيين والظلم الذي وقع بهم بقوله: “وليس هناك من ظلم بمرارة كبيرة أكثر من حرمان الفلسطينيين من حقهم في الدولة”، وهو ما أعاد الحديث عنه في 2018.
وحذر الملك إسرائيل عام 2018، من منطقة محيطة مضطربة عندما قال: “أؤكد هنا أن السلام هو قرار يتخذ عن وعي وإرادة، وعلى إسرائيل أن تتقبل السلام، وإلا فإنها سوف تغدو محاطة بالكراهية وسط منطقة تموج بالاضطراب”.
وأكد الملك أن حل الدولتين، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، هو الوحيد الذي يلبي احتياجات الطرفين بإنهاء الصراع وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة وقابلة للحياة على خطوط عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبأن تنعم إسرائيل بالأمن وتنخرط بشكل كامل مع محيطها، وتتمتع باعتراف الدول العربية والإسلامية في العالم.
وأعلن التزام الدول العربية والإسلامية بالسلام الشامل، ومبادرة السلام العربية.
الملك وصف في 2019، استمرار الاحتلال بـ”المأساة الأخلاقية العالمية”، وقال: “لا يمكن لاحتلال أو نزوح أو إجراءات تتخذ بالقوة أن تمحو تاريخ شعب أو آماله أو حقوقه”.
وتساءل عن بديل حل الدولتين، وشارك العالم بتساؤلاته بقوله: “هل هي دولة واحدة تمارس سياسة الفصل العنصري بقوانين غير متساوية وتعتمد على القوة، وبالتالي تخون أهم قيم الساعين نحو السلام من كلا الطرفين؟”، ليضيف: “هذه وصفة للصراع المستمر وليست السبيل نحو الأمن والاستقرار والسلام”.
ورغم انشغال العالم بجائحة كوورنا في 2020 و2021، أعاد الملك التذكير بأن “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو الصراع الوحيد الذي بدأ منذ تأسيس الأمم المتحدة، وما زال يتفاقم إلى يومنا هذا”.
“الوصي”
وخاطب الملك العالم وتحدث عن القدس المحتلة بصفته “وصيا” عليها وعلى مقدساتها، وعارض بشدة “التهديدات التي تستهدف هوية القدس العربية الإسلامية والمسيحية”.
في عام 2016، تعهد الملك بصفته “وصيا على المقدسات الإسلامية في القدس”، بـ”الاستمرار بحماية هذه الأماكن والتصدي لكل الاعتداءات على قدسيتها، بما في ذلك محاولات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى/الحرم الشريف”.
وتعهد أيضا في 2018، بالتصدي لأي محاولات لتغيير الهوية التاريخية العربية الإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة.
في 2015، أكد الملك أن القدس هي أهم مكان لتجسيد الاحترام والتعايش، وأضاف: “حيث الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية واجب مقدس، هنا نضم صوتنا إلى المسلمين والمسيحيين في كل مكان رافضين التهديدات التي تتعرض لها الأماكن المقدسة والهوية العربية لهذه المدينة”.
في 2018، تساءل الملك في خطابه، بقوله: “إلى متى ستظل القدس، وهي المدينة المقدسة لأكثر من نصف سكان العالم، تواجه مخاطر تهدد تراثها وهويتها الراسخة والقائمة على تعدد الأديان؟”.
وأكد ضرورة “الحفاظ على تراث القدس والسلام فيها”، لكونها “المدينة المقدسة للمليارات من شعوب العالم”.
ووصف الملك الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس بأنها “واجب يفخر الأردن بحمله”، ثم قال إن “مستقبل القدس ليس شأناً أردنياً فقط، بل هو شأن دولي يهمكم أيضاً. فتهديد حرية العبادة وتقويض القانون الدولي له تداعيات على مستوى العالم”.
الأزمة السورية
الأزمة السورية كانت ذات نصيب كبير في المواضيع التي تطرقت لها خطابات الملك، فأكد على أهمية الوقف الفوري للعنف في سوريا عبر الحل السياسي القائم على إصلاحات تكفل لمكونات المجتمع دورا في إعادة بناء بلدهم، ورأى في أحداث سوريا كارثة وتعريضا للأمن العالمي للخطر.
وقال إن “الإرهابيين والمجرمين الذين يستهدفون سوريا والعراق وغيرهما من البلدان اليوم، ما هم إلا انعكاسات متطرفة لتهديد عالمي الطابع. ويحتاج مجتمعنا الدولي إلى استراتيجية جماعية لاحتواء هذه الجماعات وهزيمتها”.
وشدد الملك على أن، النهج العسكري في سوريا لن يحقق نصرا لأحد.
وأكد الملك على استمرار دعم الأردن لجميع الجهود متعددة الأطراف لمساعدة سوريا على الوصول إلى حل سياسي مستند إلى مسار جنيف، وقرار مجلس الأمن رقم 2254 للحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، وتهيئة الظروف المناسبة للاستقرار وإعادة البناء.
وأكد الملك على أهمية الدعم الدولي للعراق ولبنان، في ظل سعي العراق إلى القضاء على الخوارج، ومواجهة لبنان “وضعا إنسانيا واقتصاديا حرجا”.
“فتح الأردنيون أذرعهم”
العام الماضي جدد الملك مطالبته العالم بدعم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي والمنظمات الأخرى التي ترعى اللاجئين والمجتمعات المستضيفة، وكذلك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
في 2012، قال الملك عن دخول اللاجئين السوريين للأردن: “فتحنا لهم أذرعنا كما فعلنا مرات عديدة في السابق مع غيرهم ممن كانوا في حاجتنا”.
ووصف الملك أزمة اللاجئين السوريين بـ”الأزمة الإنسانية غير المسبوقة”، ورأى أن “الأوان آن ليتحرك المجتمع الدولي بشكل جماعي، ودعم دول مثل الأردن ولبنان”.
وأكد على أن “أزمة اللاجئين مسؤولية عالمية باعتراف الجميع، وهي بالتالي تتطلب حلا دوليا”، واعتبر أن “المساعدات الدولية لم تواكب حتى الآن الاحتياجات الحقيقية”.
وطالب الملك من على منبر الجمعية العامة، العالم بتحمل مسؤولياته، وقال: “لا يمكن أن يتحمل شعبي وحده عبء ذلك التحدي الإقليمي والعالمي”، وأضاف في 2018، “نكثف استجابتنا المشتركة لأزمة اللاجئين العالمية. فكما يعلم الكثير منكم، يستمر الأردن بتحمل عبء هائل يفوق طاقته باستضافته للاجئين”.
تسامح وسلام
لم يركز الملك فقط على الأزمات التي تحيط بالأردن، بل تحدث عن أزمات عالمية، وطالب واقترح حلولا تتطلب تضامنا عالميا.
الملك تحدث الملك عن التسامح بين الأديان والإسلام ورفض محاولات التحريض على الفتنة بين أتباع مختلف الديانات، ودعا لحوار عالمي أكثر فاعلية وتأثيرا.
وعرض الملك على العالم المبادرات التي أطلقتها المملكة لتعزيز الحوار بين الأديان، وبين أتباع الدين الواحد، وهي رسالة عمَّان ومبادرة كلمة سواء، وأسبوع الوئام العالمي بين الأديان.
وطالب بتوفير فرص جديدة للحوار والمصالحة والازدهار والسلام، مع “التأكيد الحاسم على الاحترام المتبادل بين أتباع الدين الواحد وبين الأديان والشعوب على اختلافها”.
وجدد الملك التذكير بـ”رفض الإسلام للصراع الطائفي بالمطلق”، ودعا لدحر مساعي التفرقة.
ودعا أيضا لضرورة توفير فرص جديدة خصوصا للشباب وحماية حقوق الإنسان ورغبة الشعوب في العيش بحرية وكرامة وعدالة وسلام.
وقال إن “التسامح والتعاطف والمساواة بين جميع البشر هي القيم التي تجعل الوئام العالمي والعمل المشترك ممكنين”.
ودعا الملك لتعظيم صوت الاعتدال، لكنه قال إن “الاعتدال لا يعني قبول من يسيئون للآخرين ويرفضون كل من يختلف معهم”، كما دعا إلى “تجسيد القيم والمبادئ لديننا الحنيف في حياتنا اليومية”.
وأطلق الملك دعوة للعودة للأصول، والجوهر والروح المشتركة بين الأديان وبين معتقداتنا، وقال إن “الجوامع بيننا أعظم بكثير من الفوارق. ويتمثل هذا الأمر في القيم المشتركة، التي نؤمن بها، من محبة وسلام وعدل وتراحم”.
ودعا للعمل على معالجة الظروف التي يستغلها المتطرفون، وقال إن التطرف يتغذى على الظلم وانعدام الأمن والتهميش.
الملك تطرق مرارا للعمل الجماعي وأهمية العمل والتنسيق المشترك، ففي 2015 قال إن: “فاعلية العمل الجماعي تتجاوز بكثير قوة أي مجهود فردي. ويجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تعالج القضايا العالمية الملحة، والمتمثلة في التنمية المستدامة الشاملة”.
وفي 2019، توسع في الحديث عن العمل الجماعي، وتطرق لضرورة العمل من أجل بيئة صحية وآمنة، وحذر من مخاطر التغير المناخي.
وقال إن “العمل الجاد مطلوب منا جميعا لهزيمة الجماعات التي تدعو رسالتها إلى الكراهية وزعزعة الثقة”، واعتبر أن للعمل الجماعي “دورا أساسيا في إنهاء الأزمات والصراعات المريرة”.
الجائحة
ألقى الملك خطابه في 2020 عبر الفيديو في ظل الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، فتحدث الملك عن “أوقات غير اعتيادية في تاريخنا وفي تاريخ الأمم المتحدة، فنحن نجتمع اليوم عبر تقنية الاتصال المرئي لأول مرة منذ 75 عاماً”.
ودعا الملك إلى إعادة ضبط العولمة، بقوله: “لا يمكننا التغلب على “كورونا” وتداعياتها، إلا عبر تجديد التكامل في عالمنا، وإعادة ضبط العولمة، بحيث تصبح سلامة شعوبنا وازدهارها هما هدفانا الجوهريان”.
ودعا الملك للاستثمار في إمكانيات كل بلدٍ ونقاط قوته وموارده، لتشكيل شبكات أمانٍ إقليمية، تحافظ على تدفق الإمدادات الحيوية دون انقطاع، لتهيئنا بشكلٍ أفضل، للتعامل مع العالم ما بعد الجائحة.
وحذر الملك من نقص الغذاء وقال إنه من بين التحديات العديدة التي سيتعين علينا مواجهتها، وأكد على “أهمية الأمن الغذائي”.
“لنتحد”
في العام التالي تحدث الملك عن الحاجة للوحدة ضد التغير المناخي، بقوله: “بحاجة لنتحد في مواجهة الخطر الوجودي في عصرنا، وهو التغير المناخي. وكواحد من أفقر البلدان مائيا على مستوى العالم، يعي الأردن تماما خطورة هذا التحدي”.
وجدد الدعوة لبناء شبكات إقليمية لتعزيز المنعة، بهدف تجميع الموارد وتطوير القدرة على الاستجابة للتحديات بسرعة وسهولة حال ظهورها.
“نحن على استعداد للإفادة من الموقع الاستراتيجي للأردن على نقطة تلاقي آسيا وإفريقيا وأوروبا، لتسهيل أوسع استجابة عالمية للتحديات”.
في هذه الجمعية العامة، يمكننا سوية إعادة التفكير، وإعادة توجيه عالمنا بعيدا عن الخطرجلالة الملك عبدالله الثاني
المملكة