مرايا –
جسّدت المناضلة الراحلة جزيلة شقير “أم يوسف” نموذج المرأة الفلسطينية التي ضمدت الجرحى بشالها الذي تضعه على رأسها، ورمزا من رموز التصدّي والمقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
عرف العالم شقير المولودة في بلدة الزاوية غرب سلفيت، من خلال صورها التي اجتاحت الانترنت، وهي تدافع عن أرضها، وتقف بوجه جنود الاحتلال، معاندة لهم.
أفاقت المناضلة شقير (1944 – 2022) من نومها في الصباح الأول من تشرين أول/ أكتوبر الحالي، قائلة لابنها: على علمك يمّا فتحوا الجنود البوابة؟ السنة بدنا نلقط الزتونات بدري.
كان الصباح الأخير لها والسؤال الأخير، قبل أن ترحل بهدوء إثر نوبة قلبية مفاجئة، على العكس من حياتها التي عاشتها منخرطة بالمقاومة الشعبية.
شقير واحدة من أيقونات النضال في محافظة سلفيت، تخرج من منزلها يومياً بعد صلاة الفجر وتتوجه إلى أرضها خلف الجدار مسافة لا تقل عن سبع كيلومترات، تنتظر جنود الاحتلال ليفتحوا لها البوابة الحديدية، للعبور إلى ارضها في المنطقة المعزولة خلف الجدار الذي يحيط بالبلدة.
أطلق على الحاجة “جزيلة” عدة ألقاب على مستوى كل من عرفها وشهد على بطولاتها في مقاومة الاحتلال وحماية الأرض، ومنها أيقونة المقاومة الشعبية، وأيقونة الصمود، راعية الأيتام – كونها ربت أبناءها وأحفادها أيتاما-، حارسة البيدر المكافحة المُحبة للأرض.
كانت تعرف أيضا بحفاظها على التراث والطابع الشعبي التراثي للقرية الفلسطينية ومنتجاتها، فورثت عن والدتها صناعة أواني القش، وقضت وقتها فيه بجانب اهتمامها بالأرض.
يروي ابنها الصحفي عزمي شقير لـ”وفا” بعضاً من تفاصيل حياتها، ويقول: استمرت والدتي في نشاطها النضالي حتى النفس الأخير، كانت تنتظر موسم قطف الزيتون بفارغ الصبر.
وأضاف: برزت حياتها النضالية التي عاشتها بعد عام 2004، حين بدأت قوات الاحتلال بتجريف المنطقة الغربية من بلدة الزاوية، من أجل بناء جدار الفصل العنصري، فكانت في الصفوف الأولى تدافع عن الأرض، حتى استطاعت وغيرها من النساء ورجال البلدة من إبعاد الجدار عن منازل المواطنين بضع كيلو مترات.
وأكمل شقير: وبعد أن فرض الاحتلال على البلدة الجدار ووضع البوابة، كانت والدتي تجهز نفسها يوميا بعد صلاة الفجر وتتوجه نحو البوابة حتى تجني الزعتر والميرمية والصبر، وهي على يقين بمشقة الطريق ومضايقات الاحتلال لها.
وبيّن: أنه في الكثير من الأيام كانت والدتي تنتظر عند البوابة ما يزيد عن الخمس ساعات، سواء اثناء ذهابها إلى الأرض، أو في طريق عودتها، ونحن ننتظرها على الجهة الأخرى بفارغ الصبر والخوف عليها.
وفي أيام المظاهرات السلمية التي كان يخرج فيها أهالي البلدة للدفاع عن أرضهم، كانت الراحلة من أوائل المشاركين في المسيرات اليومية، وكانت أكثر من يتعرض للاختناق، وأحيانا للضرب من المجندات.
وفي مقابلة سابقة لـ”وفا” مع الحاجة جزيلة، قالت: “أصل إلى أرضي خلف الجدار بكل عذاب وحمة بال، اشتاق للأرض كثيرا، فهي تذكرني بأيام جميلة أيام تربية أطفالي تحت جذع الزيتون، انظف تحت الزيتون لأثبت أن هذه الأرض لي وانني ما زلت أعتني بها، هذه أرضي، وأنا أفلحها، بالقوة، بالغصب، أريد أن أرى الأرض ولو أدى ذلك لموتي، أما أنتم فماذا تفعلون هنا”.
وكانت الحاجة جزيلة تعيش حياة بسيطة في أحد البيوت القديمة ببلدة الزاوية، ومن النسوة القليلات في البلدة اللواتي لا زلن يتمسكن باللباس التقليدي الفلسطيني، ويصنعن صواني القش من سنابل القمح وهي حرفة يدوية قاربت على الاندثار.-(وفا)