مرايا –

ما تزال لعنة تردي الأوضاع الاقتصادية تلاحق الحكومات الأردنية، وتضرب في منسوب الثقة الشعبية تجاهها، وهو ما ظهر بصورة واضحة أمس مع حكومة الدكتور بشر الخصاونة، حيث أدى تفاقم المشاكل الاقتصادية، من بطالة وفقر وارتفاع اسعار، الى هبوط حاد بمستوى الثقة الشعبية بعد عامين من تشكيل الحكومة، وفق ما اظهر استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية.
وتظهر أرقام الاستطلاع أن غالبية الأردنيين “متشائمون” تجاه أداء الحكومة من ناحية ادارة الملف الاقتصادي الذي يشغل بالهم.
ووفقا للاستطلاع وبلغة الأرقام، فإن غالبية الأردنيين (85 %) يرون أن السياسات والإجراءات الاقتصادية الحكومية “فشلت” في التخفيف من الأعباء الاقتصادية او الحد من ارتفاع الأسعار او تقليل نسب الفقر والبطالة.
هذه النتائج ليست وليدة اللحظة، فثمة عوامل عديدة فاقمت من الازمة الاقتصادية رغم محاولات الحكومة اتخاذ سياسات واجراءات للحد من تداعياتها، وتقف على رأس هذه العوامل تداعيات جائحة كورونا والتي ما تزال تضغط على معيشة المواطنين، فمسيرة التعافي من تلك الجائحة لم تكتمل وما تزال آثارها مستمرة رغم أن الحكومة قامت بإجراءات عديدة بهدف تخفيفها الا انها لم تستوعب كامل الآثار.
وهنا لابد من الاشارة الى أن غالبية القطاعات والفئات تأثرت سلبا بفعل جائحة كورونا، خصوصا أن هنالك فئة من العاملين تم تسريحها بالإضافة الى توقف التوظيف في العديد من القطاعات والشركات، وبالتالي ارتفع معدل البطالة الى مستوى قارب 25 % والذي شكل الهم الأكبر للأردنيين.
يشار إلى أن النتائج أظهرت أن 23 % فقط من الأردنيين يعتقدون أن السياسات والإجراءات الاقتصادية الحكومية ساهمت في الحد من استخدام العمالة الوافدة، فيما يعتقد 21 % انها ساهمت في محاربة الفقر، و(18 %) يعتقدون انها ساهمت في الحد من البطالة، و(18 %) يعتقدون انها ساهمت في الحد من ارتفاع الأسعار، و (15 %) فقط يعتقدون أنها ساهمت في الحد من ارتفاع أسعار المحروقات.
أرقام الاستطلاع تكشف التشاؤم لدى المستطلعين حيال اداء الحكومة في أمور جوهرية تخص معيشة المواطنين، وتعكس شكواهم من تداعيات الأوضاع الخارجية وانعكاساتها محليا بارتفاع معدلات التضخم في المملكة الى نحو 5.7 %.
ومن الاسباب التي غذت التشاؤم لدى المواطنين تجاه الاوضاع الاقتصادية، ما نجم عن الحرب الاوكرانية الروسية حيث أسهمت بزيادة كبيرة في اسعار العديد من السلع والمواد عالميا والتي انعكست محليا، وفي مقدمتها ارتفاع اسعار النفط، اضافة الى شكاوى المواطنين من سياسية تحرير أسعار النفط والمرتبطة بضرائب ورسوم على ثمن مختلف أصناف المحروقات، حيث تعمل الحكومة بعكس ما يحدث في الاسواق العالمية محليا.
سياسة التسعير الدورية للمحروقات والرفع المتتالي لعدة أشهر في ظل ارتفاع نسب الضرائب عليها، أوصلت اصناف المحروقات لمستويات قياسية في اثمانها مقابل ثبات الدخل، ما عمل على المزيد من تآكل الدخول وتردي الاوضاع المعيشية، الأمر الذي ظهر جليا في استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية.
ما يحدث من تطورات نتيجة الحرب الاوكرانية الروسية، والتي تبدو أنها مستمرة، تلقي بظلال ثقيلة على مختلف اقتصادات العالم ومنها الاردني، فدول الاتحاد الاوربي مثلا تعاني من الاثر الناجم مما يحدث حتى أن بعض هذه الدول باتت تتحضر لشتاء قارس نتيجة عدم توفر كميات غاز كافية من روسيا كما كان سابقا.
كل ما يجري، أثر على معدلات التضخم عالميا، ومحليا، حيث ان موجة الغلاء بالولايات المتحدة الاميركية دفعت الفيدرالي الذي يدير السياسية النقدية في بلد “العم سام” الى رفع أسعار الفائدة عدة مرات، ما أدى الى قيام البنك المركزي الاردني الى مجابهة تلك التطورت بمجاراته في هذا المجال للمحافظة على جاذبية الدينار المربوط بالدولار.
وقد أدت تلك الامور الى قيام البنوك المحلية بزيادة أسعار الفائدة بما يتماشى مع التطورات العالمية، الأمر الذي زاد من كلف الاقتراض، ولمعالجة تلك التطورات عملت البنوك الاردنية على زيادة أمد القروض بترحيل تلك الزيادات الى آخر عمر القرض للتخفيف من تداعيات الزيادة.
نقطة ضعف الحكومات الاردنية في العقدين الماضيين كانت دائما الاقتصاد وتردي الاوضاع المعيشية في ظل ازمات مركبة خارجية ومحلية، وتعجز الحكومات عن التخفيف من وطأتها على الناس، ما يدفع الى تراجع الثقة الشعبية بهذه الحكومات، وهو الأمر الذي بدى واضحا أمس في نتائج استطلاع مركز الدراسات.