“حنيتني بدمك يا فاروق بدل ما أحني ايديك بالحنا”..

“اتطولش يما يا فاروق .. اتطولش .. بدلتك جاهزة.. وملبّس عرسك عبيته .. اتطولش يما”. لن يلبي فاروق سلامة نداء أمه..ولن يرتدي بدلة عرسه ويوزّع الحلوى على المعازيم..سيحضرون جميعهم إلى منزله في مخيم جنين.. وسيكون هو الغائب الحاضر..بعد أن ارتقى شهيدا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل ساعات من موعد الزفاف.

تحول الفرح إلى مأتم..أزيلت أضواء الزينة..وعلقت صور الشهيد على الحائط في ساحة منزل عائلته وأزقة المخيم.

“كنا نستعد لإقامة وليمة عن أرواح شهداء فلسطين مساء اليوم الجمعة، لذا قررنا ذبح الذبائح في ملحمة المخيم القريبة، طلب مني فاروق أن أذهب لتجهيز المواد اللازمة للطبخ وبعض البهارات، خرجت مسرعا إلى سوق المدينة لإحضار التجهيزات اللازمة، سمعت ما حدث وأنا بالسوق.. تركت كل شيء وعدت مسرعا…لأجده مضرجا بدمائه”، يقول شقيقه فادي.

وكانت قوات كبيرة من جيش الاحتلال، قد اقتحمت مخيم جنين في وضح النهار، أمس الخميس، وحاصرت “ملحمة”، وأطلقت الرصاص الحي صوب الشاب فاروق جميل حسن سلامة (28 عاما)، وأصابته في البطن والصدر والرأس بصورة حرجة، ليرتقي شهيدا.

في بيت العزاء، ما تزال والدة الشهيد في حالة صدمة. “والدتي في حالة يرثى لها، إنها لا تعي ما يحدث حولها بالضبط”. يصف فادي حال والدته بعد تلقيها خبر استشهاد شقيقه فاروق.

ويضيف: “فاروق آخر العنقود والمدلل في العائلة خاصة عند والدتي التي كانت تجهّز لتزفه عريسا بعد ساعات، لكنها دفنته تحت التراب”.

وكانت العائلة تستعد لإقامة وليمة كبيرة توزّع على أهالي المخيم وكافة المعازيم، مساء الجمعة، عن أرواح شهداء المخيم وشهداء فلسطين بشكل عام، فيما حدد موعد حفل الزفاف يوم الأحد 6 تشرين الثاني/نوفمبر.

في غرفة صغيرة تركت تجهيزات الزفاف على حالها، بدلته الجديدة، سلة من السكاكر والشوكولاته كان من المفترض توزيعها على المعازيم، وخضاب الحناء المخصص للعريس.

“اتفقنا أن أنقش الحناء على يديه بعد وليمة العشاء، لكني تحنيت أنا بدمه، قلت له حنيتني بدمك يا فاروق بدل ما أحني ايديك بالحنا يا خيي” يقول فادي.

ويضيف: “كان من المفترض أن يكون عرسه مميزا، اشتريت مجموعة من العباءات وطبعت عليها صوره، ألبستها لأولادي وصورتهم وهم يرقصون ويغنون، جهزنا كل تفاصيل الزفاف، أدقها وأصغرها، كل شيء انتهى قبل أن يبدأ”.

ويستذكر فادي آخر ليلة لفاروق مع العائلة: “الليلة التي سبقت استشهاده كنّا معا، سهرنا في منزل شقيقنا إيهاب، كان فرحا والحماس واضحا على وجهه، وكنّا نمازحه بأن هذه آخر سهرة له معنا وهو أعزب، فجأة قرر أن يذهب ليشتري لنا الكلاج، قال هذا الكلاج تحلاية.. تحلو كلاج…كانت آخر حلوى نأكلها سويا قبل أن يتحول طعم كل شيء إلى مرار”.

ويقول فادي: “إسرائيل تعمدت أن تتركنا لآخر لحظة نكمل التجهيزات، وزعنا أكثر من 4 آلاف بطاقة دعوة للزفاف، ثم قتلته وهو يذبح ذبيحة زفافه”.

وكانت بطاقات دعوة زفاف الشهيد فاروق سلامة قد انتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي يوم أمس الخميس فور الإعلان عن استشهاده داخل “ملحمة” في مخيم جنين، حيث كان يذبح الذبائح المخصصة لوليمة زفافه.

وتبادل رواد مواقع التواصل صورة بطاقة الدعوة بشكل كبير، فيما أرفقت عبارات “دعوة زفاف العريس الشهيد” و”قتلوه قبل يوم من زفافه” مع الصور.

“تعمدوا اغتياله وتعمدوا اختيار هذا التوقيت بالذات وبهذه الطريقة، ليزيدوا على الوجع وجعا، كان بإمكانهم اعتقاله، أو حتى إصابته فقط لكنهم تعمدوا قتله”، يقول فادي.

ويضيف: “قتلوا العريس فاروق واعتقلوا شقيقي الأكبر إيهاب والذي خرج من السجن قبل أقل من أسبوع”.

ويكمل: “فاروق يبلغ من العمر 28 عاما قضى منها 6 أعوام في معتقلات الاحتلال، لم ير شيئا في حياته، قتلوه قبل أن يحقق أحلامه، كان يقول لنا أن الاحتلال لا يسمح لنا كشباب فلسطيني برسم أحلام وتخيلها ومحاولة تحقيقها، كان يصف ما حدث معه بالفعل، فقد قتلوه قبل أن يحقق شيئا من أحلامه”.

وبدل أن يرفع فاروق على اكتاف عائلته وأصدقائه ليزف عريسا..حمل جثمانه على اكتافهم ليشيع إلى مثواه الأخير في مقبرة المخيم.

وخلال اقتحامها لمخيم جنين، أطلقت قوات الاحتلال الرصاص الحي بكثافة، ما أدى إلى استشهاد الطفل محمد خلوف (14 عاما) من قرية برقين، والذي كان يمر من أحد الشوارع القريبة من تواجد جنود الاحتلال.

وبارتقاء الشهيدان سلامة وخلوف، ارتفع عدد الشهداء في فلسطين منذ بداية العام الجاري إلى 193 شهيدا، منهم 141 شهيدا في المحافظات الشمالية (49 شهيدا في محافظة جنين)، و52 شهيدا في المحافظات الجنوبية.