مرايا –
كتب وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة لصحيفة الغد:
عبر العقود كانت الموازنة بالنسبة للأردني الموظف والعامل والمتقاعد مناسبة لانتظار الزيادات على رواتب العاملين والمتقاعدين، وكان الجميع ينتظرون خطاب الموازنة وكلام النواب بعد أن عادت المجالس ورد الحكومة، فالناس ليسوا خبراء ولامعنيين بالتفاصيل الفنية.
وفي بعض المراحل كانت الموازنة موسم انتظار سلبي لأن فيها اخبار ضرائب او تعديل أسعار بعض الخدمات المهمة، وفي مواسم اخرى كانت بالنسبة لفئات من النواب فرصة لمقايضة الحكومات على خدمات لمناطقهم مقابل التصويت، وكانت اللقاءات خارج المجلس او نشاط الوسطاء تصل إلى اتفاقات فيتم الإعلان من قبل الحكومة عن استجابات لمطالب هنا او هناك، لكن في فترات قريبة لم تعد الاستجابة الخدمية تظهر لأن المطالب تحتاج الى ما هو اكبر من الموازنة احيانا، وفي كل المراحل كانت الموازنة تمر فلا أحد يريد وقف مسيرتها أو لا يستطيع احد ذلك، فالأمر ليس اقرار قانون بل فيه مصلحة اكبر.
الموازنة هذا العام مختلفة سياسيا، ورغم دخولنا تقريبا العام الجديد لم تقرأ الحكومة خطاب الموازنة امام النواب، والسبب هو ما كان من احداث اقتصادية بتداعياتها السياسية والامنية خلال الاسابيع الماضية، بل ان المجلس تريث كثيرا قبل ان يعقد جلسة سرية قبل يومين، وسرية بطلب النواب كما تحدث بعض اعضاء المجلس، أما السبب فهو أن النواب الذين يعيشون ظرفا صعبا مع الناس لا يمكنهم ان يعقدوا جلسة علنية تبحث أي ملف اقتصادي مثل الموازنة دون ان يشنوا هجوما شرسا على الحكومة، هجوما سياسيا واقتصاديا وحتى على صعيد تقييم اداء الحكومة رئيسا وأفرادا، والحكومة التي انهكتها الازمات لا تريد ان تخوض تجربة صعبة حتى لو كانت لا تؤثر على بقائها او رحيلها، والنواب وقد بدأ من يريد الترشح مرة أخرى بالاستعداد للانتخابات النيابية التي قد لا تكون بعيدة، لا يمكنهم تمرير اي محطة لمخاطبة الناس وتسجيل النقاط، لهذا كانت الجلسة سرية وان كانت لم تحمل للنواب والناس جديدا الا الحديث عن تخفيض متوقع على اسعار المشتقات النفطية بسبب انخفاضها عالميا.
حتى الآن تم تأجيل تقديم الموازنة ربما بانتظار قرارات تخفض مثلا اسعار المشتقات النفطية مع نهاية الشهر او ربما بانتظار تطورات اقتصادية ومالية تساعد الحكومة والنواب على تمرير الموازنة بأقل قدر من المواجهات في خطابات النقاش، او ربما للابتعاد زمنيا عما كان قبل اسابيع.
في نهاية المطاف يجب ان تكون هناك موازنة، فإقرار الموازنة يعني تمرير خطة العام القادم اقتصاديا وربما هو احد اهم اسباب استمرار الحكومة، لكن إقرار الموازنة دون مفاجآت سارة للأردنيين على صعيد مستوى المعيشة وتحسين الدخل سيجعل الامر صعبا على النواب، الذين سيكونون الخاسر الأكبر في هذه المرحلة الاقتصادية السياسية.
بالنسبة للأردنيين لن يتوقفوا عند ما سيتم من خطوات روتينية لمناقشة الموازنة والتي قد تستغرق شهرا أو شهرين إلا إذا كانت ستحمل شيئا يخص رواتبهم، وما تبقى من تفاصيل فنية وارقام وكلمات وخطابات فهو امر يعني الحكومة والنواب، لكن الموازنة هذا العام حدث سياسي لأنها ارتبطت بمعطيات واحداث اقتصادية وسياسية وأمنية، ولهذا فهي محطة صعبة على الحكومة التي لا تريد ولا تستطيع ان تتخلى عن التزاماتها مع المؤسسات الدولية، وايضا تبحث عن شيء ما لإرضاء الناس، ومحطة صعبة على النواب الذين يريدون ان يقولوا شيئا للناس بخطوات عملية، وهم يعلمون موقف الناس من الأداء النيابي.
شيئا فشيئا تتحسن الاجواء السياسية بين النواب والحكومة فيما يخص الموازنة، بل الحالة الأمنية التي كانت قد تخدم الحكومة وجهات الدولة الاخرى في تمرير الموازنة بأقل قدر من الحدة والصخب في المناقشات، وعلى النواب ان ” يقلعوا شوكهم بأيديهم امام ناخبيهم ” اذا لم تحمل المرحلة القادمة قرارات مالية تفرح الناس غير تخفيض اعتيادي على اسعار المشتقات النفطية.
الحكومة سعيدة لأنها تستمر رغم ما كان، وستكون سعيدة لأنها مررت موازنة في عام صعب سياسيا، وليست معنية بأي تقييمات شعبية لها ما دامت لا تؤثر على بقائها..