مرايا –
بلغ عدد الإشاعات التي صدرت وانشرت بين الأردنيين خلال 5 سنوات 2151 إشاعة.
وبلغ حجم انتشار الإشاعات في الأردن في السنوات الخمس الماضية، حسب بيانات جُمعت من مرصد مصداقية الإعلام الأردني “أكيد”، ومختصين، 2151 إشاعة انتشرت بين الأردنيين، حيث وصلت إما عن طريق وسائل إعلام محلية، أو مواقع التَّواصل الاجتماعية في الفترة ما بين آب/ أغسطس 2018 ونهاية كانون الأول/ديسمبر 2022، ونشرت منها 503 إشاعات عبر وسائل الإعلام المحلية، بينما تولت منصات التواصل الاجتماعي المحلية نشر ما مجموعه 1457 إشاعة.
وبحسب تقارير مفصلة بشأن الإشاعات في الأردن عبر مرصد “أكيد” التابع لمعهد الإعلام الأردني، والذي استعرض أعدادها ومصادرها وجهة النشر ومجالات انتشارها، فقد تبين أنها عادة ما تنمو في الظروف غير الطبيعيّة، مثل أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية وغيرها، ولا تختفي في الظروف العادية، كما تروج أكثر في بيئات اجتماعيّة وسياسيّة وثقافيّة دون أخرى، ويعتمد انتشارها على مستوى غموضها، وحجم تأثير موضوعها.
وقدم متخصصون، توصيفا عاما بشأن موضوع الإشاعات وظروف انتشارها وحجم تأثيرها على مختلف النواحي الحياتية وطرق التصدي لها، معولين على وعي المواطن في التحقق من دقة المعلومات واستقائها من مصادر موثوقة كونه العنصر المساهم الأكثر فاعلية في نشرها أو إيقافها، ومثمنين الدور الاستراتيجي المشترك الذي تلعبه مؤسسات الدولة العامة والخاصة في التصدي للإشاعات.
وشددوا على ضرورة التفريق بين حرية التعبير ضمن إطار القانون وبين المساهمة في نشر معلومات مضللة قد يكون الهدف منها الإساءة إلى كيان أو شخصية معينة.
وقال مدير أكيد حسين أبو رمان، إن رصد الإشاعات في المملكة محور رئيسي من محاور عمل المرصد على مدار العام، إذ تعد التقارير وتبث شهريا وسنويا عبر موقعه الإلكتروني، مشيرا إلى استمرارية إعداد التقارير بهذا الصدد والتي بدأ ببثها أواخر عام 2018.
وأضاف أن آخر تقرير شهري أصدره المرصد عبر موقعه أخيرا أظهر أن عدد الإشاعات التي تم تداولها خلال كانون الأول/ديسمبر 2022 بلغ 21 إشاعة، وتم مع بداية هذا العام إعداد تقرير لعام 2022 كاملا انتشرت خلاله 362 إشاعة بمتوسط 30 إشاعة للشهر الواحد.
وبين التقرير أن العدد الأكبر من الإشاعات تركز في المجال الاقتصادي بنسبة 30%، يليه الشأن العام، ثم الشأن الأمني، حيث لوحظ أن هذه المجالات الثلاث غالبا ما تتناوب شهريا على المركز الأول، بالنظر إلى مجالاتها الستة الاقتصادي والشأن العام والأمني والصحي والاجتماعي والسياسي.
ولفت أبو رمان إلى أنَّ صناعة الإشاعات موجودة أساسا في شبكات التواصل الاجتماعي، وتأخذ وسائل الإعلام أحيانا بعض المعطيات عن تلك المنصات دون تدقيق فتقع في مطب الإشاعات، إذ إن عملية استقاء المعلومات دون تحقق تعد أحد الأسباب الرئيسة لنشوء الإشاعات، أما فيما يتعلق بالمصدر من حيث الإشاعات الداخلية والخارجية فكان مصدرها غالبا داخلي بنسبة 95% منها.
وأوضح أن التقرير الأخير قارن بين البيانات المرصودة في العام الماضي والعامين السابقين بمعدل 47 إشاعة شهريا عام 2020، وذلك يعد أمرا طبيعيا بالنظر لطابعها الصحي كونه العام الذي انتشرت فيه جائحة كورونا، واستمرار تأثير مناخات الفيروس على الإشاعات عام 2021 إذ كان متوسط عدد الإشاعات الذي انتشرت فيه بمعدل 46 إشاعة شهريا، وصولا إلى متوسط بلغ 30 إشاعة عام 2022 الذي أثبت استمرار تأثر المجتمع الأردني بالأفكار السوداوية وأفكار المؤامرة التي كانت موجودة فترة الجائحة.
مدير وحدة الاستجابة الإعلامية في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات الناطق الرسمي أحمد نعيمات قال إن المملكة تعد من البيئات الإعلامية التي تشهد نشاطا مرتبطا بالمعلومات المغلوطة كونه من أكثر الدول في العالم من حيث نسبة مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي وفقا لمعاهد الدراسات الدولية وأبرزها معهد “PEW” بالنشرات التي أصدرها منذ عام 2016 حتى 2021، إضافة لوجود عدد كبير من المنصات الإخبارية بشقيها المهني وغير المهني مع الأخذ بعين الاعتبار هامش الحرية الذي يسمح بالتعبير بمختلف الوسائل المتاحة.
وبين أن الإشاعات تنقسم إلى قسمين أولها الإشاعات المرتبطة بالمعلومات غير الدقيقة ويكون فيها المصدر الذي عمل على نقل الخبر غير متيقن منه أو لم يتحر الدقة أثناء نقله وليس لديه نية للاستهداف، وثانيها “الأخبار المضللة”، وهي تلك التي يهدف من ورائها لنشر معلومات غير صحيحة تؤدي بالنتيجة إلى خلق حالة من عدم الاستقرار رقميا أو ميدانيا.
وأوضح، أن الإشاعة نشأت بشكلها التطبيقي في الأسواق المالية وكان الهدف منها هو التأثير والمضاربة على الأسهم بين مجموعة شركات، وانتقلت هذه الممارسة لاحقا إلى التنافس الاقتصادي.
وقال، إنَّ الإشاعة تكافح من خلال فهم عناصر مؤثرة فاعلة في هذا الجانب، هي من وجهة نظر النعيمات مثلث تلعب أضلاعه دورا مهما في التعاطي مع المعلومات والأخبار المغلوطة وأهمها توفير المؤسسات الوطنية بشقيها العام والخاص تدفقا دقيقا وقتيا ذا علاقة بالمعلومات وتعني الدقة أن تكون المعلومات غير متضاربة أو محدثة في إطار التساؤلات المطروحة، وإذا تدفقت شائعة ما فمن غير المنطقي أن تقدم المؤسسة المعنية ردها بعد أسبوع على سبيل المثال وهو ما يعكس أهمية الاستجابة السريعة، التي قد يصل معدلها عالميا بالنسبة للأحداث السياسية إلى 6 ساعات وفي الأحداث الأمنية والكوارث لدقائق معدودة.
ولفت إلى أنَّ العنصر الفاعل الثاني في عملية التصدي للأشاعات هو السلوك المجتمعي في التعاطي مع المصادر المفتوحة والذي يلعب المواطن دورا مهما فيه باعتباره الحلقة الأقوى في نشر الإشاعة أو درئها، حيث تقع عليه مسؤولية التأني قبل نشرها والتفكير في أبعادها التي من الممكن أن تضر بالأمن الوطني أو البيئة الاستثمارية، حيث أنه قد يؤدي نشر معلومات معينة قبل التحقق منها إلى زيادة مشكلة البطالة على سبيل المثال ما يسيء إلى البيئة الاستثمارية وهنا تبرز أهمية ما أطلق عليه النعيمات موضوع “إدارة السمعة”.
وأشار إلى أهمية دور مشروع التربية الإعلامية الذي يهدف إلى زيادة نسب الوعي في تداول المعلومات.
وقال إنَّه وعلى اعتبار أن الإشاعة أحد أشكال الأزمات في المملكة فإن وجود الأدوات الداحضة للإشاعة في القطاعين العام والخاص، هو ضلع المثلث الثالث المعني بمكافحة الإشاعات، والذي يعني رصد فرق إعلامية محترفة للبيئة الإعلامية تقدم ردا علميا سليما شفافا منطقيا، وله مصداقية عند الجمهور، وبأسرع وقت وبنسب وصول عالية، مشيرا إلى الدور الذي تقوم به منصة “حقك تعرف” في هذا المجال ومنصات الإعلام الوطني، بشقيه العام والخاص لدورها المحوري في الحفاظ على ترابط الحلقة المتكاملة بين أهمية حماية الجمهور من المعلومات غير الدقيقة أو المغلوطة وما له من دور في تحسين البيئة الاستثمارية وانعكاسها على سمعة الوطن اقتصاديا، ومعلوماتيا على سيرة المؤسسات التي تعمل بهذا الإطار.
وأشار النعيمات إلى نتائج عدد من الدراسات الدولية في هذا الصدد والتي تفسر تأثر المجتمع الأردني بالإشاعات ومنها دراسة لمركز “PEW” للأبحاث عام 2016 والتي تقول بأن 91% من مستخدمي الإنترنت في الأردن لديهم حساب واحد على الأقل ضمن مواقع التواصل الاجتماعي، ودراسة دولية أخرى أجريت عام 2018 تفيد بأن الأردن من أول 3 دول في العالم بنسبة استخدام البالغين لمواقع التواصل الاجتماعي في إشارة إلى من تجاوزوا 18 عاما.
وأضاف أن هناك عوامل عدة أخرى أسهمت بهذا التأثر منها مستوى التعليم المرتفع وأسعار اشتراكات الإنترنت المقبولة، إضافة إلى وجود شركات خدمات الاتصالات المتطورة والتركيبة الشبابية المؤثرة في هذا الإطار، عازيا تزايد الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعي لكون معدلات الثقة بالمنصات الرسمية عبر تلك المواقع لم تعد كالسابق وهذه مشكلة موجودة ليس فقط على الصعيد المحلي إنما أيضا على الصعيد العالمي لكن بنسب متفاوتة.
مستشار أول الطب النفسي وليد سرحان، بين أنَّ علم النفس الاجتماعي عدَّ الإشاعات ظاهرة خطرة على أي مجتمع لتأثيرها على أفراده نفسيا واجتماعيا وثقافيا، حيث تنشأ باستمرار وهي عبارة عن رواية معينة تتحور وتتغير وقد لا يظهر منها معلومات حقيقية كما يصعب أحيانا تحديد مصادرها.
وأكد أن أهم وسائل التصدي للإشاعات وجود معلومات واضحة دائما والإعلان عن أي مشكلة بشكل فوري دون ترك المجال للمغرضين لبث الشائعات وتضخيمها، لذلك تكمن أهمية وجود متحدث رسمي، حتى يتم توثيق المعلومات والحقائق بعيدا عن التشويه بهدف تخفيف الأضرار المحتملة على المجتمع، وغالبا ما ترتفع الإشاعات في الظروف الطارئة والحروب وأوقات الأزمات.
وأفاد بأن فترة جائحة كورونا انتشرت الإشاعات المتعلقة بالمجال الصحي، ويمكن القول إن أضرار الإشاعات فاقت أضرار الفيروس ذاته ولاسيما أن الكثيرين ما برحوا يعيشون في الوهم الذي خلقته الإشاعات حوله إلى يومنا هذا وأضحى من الصعب عليهم العودة لحياتهم الطبيعية.