مرايا – كتب : عمر كلاب
فوارق كثيرة في الوعي الوطني تكشفها حوارات الموازنة العامة، سواء على المستوى الافقي او المستوى العامودي للشارع الاردني، رغم الاتفاق العام بأن الاقتصاد الوطني يمر بلحظة فارقة، اكثر خطورة من حقبة تراجع سعر صرف الدينار في العام ١٩٨٩، والتي خرج الاردن منها باقل الخسائر السياسية والاقتصادية، نظرا لامتلاك الدولة في تلك الحقبة عقل جمعي، استجاب لظروف اللحظة الوطنية وتفاعل الشارع الشعبي معها بيقين انعدام البدائل، سوى اللجوء الى خفض قيمة الدينار مقابل الدولار واللجوء الى اجراءات تقشفية، وتبعتها ازمة الخليج او حرب الع?اق بعد احتلال الكويت ونجح عقل الدولة في التناغم مع الشارع الشعبي الذي قبل عن طيب خاطر مزيدا من التقشف وعملية الزوجي والفردي في مسير المركبات على الشوارع.
اليوم ثمة يقين عام، ان الوضع الاقتصادي يحتاج الى معالجات وطنية وجراحة جذرية تقضي على الارتهان الى المعونات والمنح، فالدعم مشروط والمنح باتت مرهونة بمواقف اقليمية وخطوات اجرائية لدعم وجهة نظر من يملك الدعم والمال المسفوح على تصفيات سياسية ومعارك وهمية سحبت المال من خزائن دول الثراء التي تورطت في رهانات سياسية خاسرة افضت الى حروب باهظة الكلفة دون نتائج بل قدمت خدمة مجانية لخدمة الدولة الصهيونية التي تعيش اعلى لحظات ذروتها.
اليقين الوطني بأن الاقتصاد يمر في لحظة حرجة، لا ينسحب توافقا على اسباب الازمة الاقتصادية ومفاعيلها، فالرأي السائد ان الازمة هي نتاج فساد وافساد للنخبة السياسية والاقتصادية وليس بحكم انسداد الافق الاقليمي, وتراجع ان لم يكن سقوط مفهوم الدعم العربي وكلفة اللجوء العالية، اضافة الى الهدر في الموارد على مشاريع شبه فاشلة ولا تخدم الا فئة بعينها من ابناء الذوات، سواء بانتاج المؤسسات الموازية او ما اسمتها الحكومات المتعاقبة المؤسسات المستقلة او الوحدات الادارية المستقلة التي اثبتت فشلها في كثير من القطاعات مثل قطاع?الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات او قطاع النقل والطاقة، ولا ننسى مؤسسات المناطق التنموية والمناطق الخاصة، فكل هذه التجارب انهكت موازنة الدولة ولم تحرز اي تقدم ولم تحدث اي قيمة مضافة، لا على صعيد التنمية الكلي او على صعيد واقعها المحافظاتي.
هناك حقبة زمنية تحتاج الى مراجعة، وهي حقبة التحول في ادارة الدولة، والتي انبتت في البيدر الاردني مؤسسات وانماط ادارية اضعفت مؤسسات الدولة الخاضعة للمحاسبة، فجرى الانقلاب على الموروث البيروقراطي للدولة بدل تطويره، وانتجنا مؤسسة موازية لكل وزارة بدل تطوير وتحديث الوزارة، فبقيت الوزارة على بؤسها ولم تنجح المؤسسة الجديدة في تطوير مجال عملها، بل نتج صدام بين الطرفين، دفعنا ثمنه قرارات ادارية فاشلة اوصلتنا الى مأزق اللحظة الراهنة، التي تحتاج الى قرارات جراحية حاسمة لن يقدر عليها وزير المالية او اي وزير سيادي او?خدماتي، لانها قرارات على مستوى الدولة وليست على مستوى الحكومة، واهمها اعادة حسم شكل ادارة الدولة، اما بالغاء الوزارة او الغاء المؤسسة الموازية فلا يعقل ان يكون لدينا ثلاثين وزيرا عاملا وستين وزيرا مستترا خلف مؤسسة.
صحيح اننا نعاني ازمة اقتصادية، لكننا امام فرصة كبيرة لمراجعة تلك الحقبة والتخلص من سلبياتها باعادة الهيبة الى مؤسسات الدولة التي انتهكت هيبتها، وامامنا فرصة ذهبية لتكريس ثقافة الاعتماد على الذات والغاء الشكل الريعي للدولة لصالح دولة الانتاج، بشرط الغاء ريعية الدولة للنخبة ومفرداتها الاسرية والانسباء والاقارب ايضا، وان نبدأ في توجيه الدعم للمواطن عبر تشغيله لا توظيفه وهذا يحتاج الجدية في الاصلاح السياسي اولا وينسحب على باقي الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فنحن امام سياسة جديدة اسمها الاعتماد على ?لذات وتوجيه الدعم الى المواطن وهذه سياسة تحتاج الى تطوير كل سياساتنا، وهذا مربوط بوجود عقل جمعي لادارة الدولة يثق به المواطن ويقبل بكل الاجراءات الضاغطة لانها ستحمل له الفرج والخلاص من تبعات المعونة والمنح وتفرز قرارا مستقلا يحفظ قوة الاردن ومصالحه الوطنية والحيوية.
omarkallab@yahoo.com