مرايا – كتب : عمر كلاب
سؤال طرحه موقع عمون الاخباري, جدير ان يفتح بابا واسعا للنقاش والمتابعة, وان بدأ على شكل تغريدة للزميل سمير الحياري, قال فيها «هل تحذو الصحف الورقية والالكترونية حذو قناة الحرة الامريكية, بوقف مقالات الراي وتغييب الزوايا والكتاب عن صفحتها في ضوء توجه القراء الى المرئي والمسموع, سؤال برسم النقاش والاجابة”, والتغريدة لا تختلف كثيرا عن سؤال يداهمنا في كل يوم, ماذا فعل الاعلام الاردني, وماذا فعلتم كصحفيين وكتاب, ناهيك عن الهمز والغمز على الفوائد والمنافع التي حققها العاملون في القطاع الاعلامي, او حجم الاستفادة,?وتلك غذاها ايضا زملاء في المهنة او عابرون على حوافها, دون ادنى مراجعة لحضورهم وجهدهم او لكفائتهم المهنية.
وهنا لا بد من الاجابة التي تبدأ بالتشخيص, لان ابرز علامات قلة خبرة الجزار او اللحام, قطع رأس الذبيحة قبل خروج الروح ووقف الارتعاشة في جسد الذبيحة, ولعل هذا التوصيف الحاد هو الاقرب الى وصف الحالة الاعلامية المحلية التي يرتعش جسدها كله–وإن شاء بعض الاعلام ان يقول ينبض فلا بأس – وسط غياب رأس للاعلام او مرجعية واضحة المعالم والتفاصيل, فقد استعجلنا نعي الديناصور المنقرض اي وزارة الاعلام, على حد تعبير المرحوم نبيل الشريف, قبل ان يستقر المجتمع على صيغة راكزة بديلة لها, فلا الناطق الاعلامي للحكومة كان يملك المعلوم? اللازمة والكافية، ولا المؤسسات تمتلك ناطقا اعلاميا قادرا على تلبية شغف الناس بالمعرفة او اسكات جوع الصحافة للمعلومة, وفي كل مرة يداهمنا الناس بالسؤال عن وجودنا وتغطيتنا لحاجاتهم, او توفير الاجابة على اسئلتهم ويبدو انهم نعونا مبكرا بالهجرة الى مواقع التواصل والاعلام الخارجي.
ايضا, لم تمتلك مؤسسات المجتع المدني ثقافة اعلامية والاحزاب غائبة وصُحفها توفت منذ اللحظة الاولى للصدور وصفحاتها التواصلية مفقودة او لا تعمل, وتراجعت كل مكونات المؤسسات الرسمية الخدمية والسيادية، وجرى تجريف السلطة الشعبية من نواب واعيان بحكم القوانين السائدة والتعديلات الدائمة عليها, وانعكس ذلك تراجعا على مستوى السلطة التنفيذية, وقفز المجتمع الاردني الى مرحلة القلق الحاد الذي بات ينكر كل شيء ولا يستمع الا الى رغباته وكثيرا ما يسمع صوتين فقط, صوته وصدى صوته, فتردى المجتمع الى الدرك الاسفل من الغضب والانزياح ?ن التقاليد القانونية والاجتماعية, واسهم الربيع الجائر في اضعاف هيبة الدولة ومؤسساتها.
اليوم ثمة سعي جارف لشيطنة الاعلام وتحميله وزر خراب المجتمع, وهذا الامر فيه جزء من الحقيقة لكنه يبقى نتيجة وليس سببا, فالسبب في تراجع الاعلام واصفرار اخباره وسلوكه, هو تراجع الاداء العام, وغياب مرجعية واضحة لانسياب المعلومة, فهي اما تأتي متاخرة جدا او تأتي منقوصة, نتيجة قناعة راسخة في عقل بعض المسؤولين بأن الجمهور ليس من حقه المعرفة, بل ان المعلومة كنز المسؤول وجزء من ممتلكاته الخاصة, فالمسؤول يحمل نظرة غير ودودة او ربما غير جديرة, الى الرأي العام ولا يعتبره جديرا بالشراكة والخدمة, وتكفي مراقبة تصريحات المس?ول او قراءة التصريح الرسمي للدلالة على هذه القناعة, فكل تصريحاتنا ما زالت مبتسرة ولا تكفي ثمن الحبر الذي كُتبت به.
هناك اجماع عام على ان الترهل والفساد والتراجع في الخدمات بات سمة للجهاز الرسمي, ومع ذلك هناك انتقاد حاد للاعلام بانه سبب ذلك, وكأن الصحافة والاعلام بتلاوينها المختلفة منعت تطور المجتمع وتقدم المؤسسات, دون احساس بأن التراجع العام سينسحب على الاعلام بالضرورة, ففي زمن الانحطاط والتراجع للامة, ظهرت كل اشكال الشعر السخيف او الشعر الذي يعتمد الشكل دون المضمون, والشعر صحافة العرب وتاريخهم المحكي, اي بمثابة الاعلام اليوم بالاضافة الى فن الخطابة الذي تراجع مع تراجع الواقع العام.
omarkallab@yahoo.com