مرايا – كتب: بلال العبويني
تمر القضية الفلسطينية بمرحلة استعصاء سياسي لا مثيل لها منذ توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993، فالمفاوضات السياسية متوقفة، ولا أفق لعودة قطارها للسير على السكة كما كان في السابق.
منذ العام 2002، انشغل العرب بمبادرة الأرض مقابل السلام التي تم تبنيها في قمة بيروت، لكن خيار حل الدولتين لم يعد مطروحا على الأجندة الإسرائيلية.
اجهاض خيار حل الدولتين بدأ مبكرا في الداخل الإسرائيلي منذ العمل على وأده عبر التوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ومنذ التوسع في تهويد القدس وصولا إلى خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي عرفت بـ “صفقة القرن” ورسمت خريطة جديدة لشكل الدولة الفلسطيية، وفقا لعديد التسريبات آنذاك.
زاد من حالة الاستعصاء السياسي على صعيد العلاقة الفلسطينية الإسرائيلي، ما بدا وكأنه انسحاب الولايات المتحدة من المشهد.
فالولايات المتحدة، ورغم إعلان إدارة جو بايدن أنها ملتزمة بخيار حل الدولتين، إلا أنها لا تدفع باتجاه ترسيخه على الأرض.
لا مشروعا سياسيا أمريكيا
يقول الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي إن الولايات المتحدة لا تمتلك اليوم مشروعا سياسيا فيما يخص القضية الفلسطينية، وأن المشروع الأمريكي يركز حول التهدئة مقابل الاقتصاد، فيما تواصل إسرائيل انتهاكاتها ومشروعها الاستيطاني.
وأوضح في تصريحات لـ “إذاعة حياة اف ام”، أن كل ما تفعله الإدارة الأمريكية حاليا هو السعي لإطفاء الحرائق ومنع الانفجار الكبير وإبقاء الفلسطينيين تحت الضغط، مشيرا إلى أنه في ذات الوقت “لا رهان على الإدارة الأمريكية الحالية، لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، بعد أن أظهر بادين أنه صهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم”.
الحل ليس بالاستسلام
ويؤزم واقع الانسداد السياسي على صعيد القضية الفلسطينية أن العرب الذين تبنوا خيار الأرض مقابل السلام في قمة بيروت العام 2002، انهم لم يمتلكوا إلى اليوم مشاريع بديلة، فما زال الطرح السياسي القائم أن لا حل للقضية الفلسطيية إلا عبر حل الدولتين.
وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة يقول إن التبشير بانتهاء حل الدولتين لم يعد فقط في أوساط إسرائيلية او غربية بل أصبحنا نسمع اعلانات نعي حل الدولتين حتى من قيادات فلسطينية وكأن الأمر يحمل خيرا للفلسطينيين او حتى لنا في الأردن.
ويضيف في مقال نشره في صحيفة الغد الاردنية أن مبدأ حل الدولتين ليس ورقة عمل تقدم لندوة بل هو الضرورة التي لا غنى عنها، لأن غياب حل الدولتين يعني ان الشعب الفلسطيني خسر قضيته، فلا سلطة الضفة حقيقية، ولا غزة دولة تعبر عن قضية فلسطين بكل ابعادها.
واكد على ان أول من يجب ان يبقى يقاتل سياسيا وبكل الوسائل هم الفلسطينيون لأن حل الدولتين يعني ضياع كل الحقوق الوطنية والسياسية لشعب مشرد في ارجاء الدنيا ولسكان الضفة وغزة.
ويوضح أن وقائع اليوم قد تخدم التوجهات الإسرائيلية لكن الحل ليس بالاستسلام لها والانتقال إلى البحث عن إجابة يطرحها البعض في الغرب عن سؤال :- كيف نخدم الفلسطينيين ونرضيهم فيما لو تلاشى حل الدولتين؟، والجواب طبعا ان يفقد الفلسطيني والأردني هويتهما وحقوقهما لحل مشاكل إسرائيل الأمنية.
ما الحلول البديلة؟
غير أن سياسيين أردنيين يقرون أيضا أن حل الدولتين لم يعد ممكنا، حيث يرى نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق وأول سفير للأردن لدى دولة الاحتلال الدكتور مروان المعشر أن حل الدولتين انتهى لأن الفلسطيني الآن لا يملك أي سيادة على أرضه ولا مائه ولا أجوائه، فلا يستطيع المواطن في الضفة او غزة التنقل منهما إلا بإذن اسرائيلي.
وقال في محاضرة له في معهد الإعلام الاردني إن “من يعتقد أن هناك دولة فلسطينية اليوم يضحك على نفسه، هي دولة واحدة تدعى اسرائيل وهي دولة تمييز عنصري”.
وبين أن الدور المطلوب اليوم هو العمل على أن تصبح هذه الدولة ديمقراطية تعطي للفلسطينيين حقوقهم السياسية والمدنية كاملة، بدلا من أنها دولة تمييز عنصري.
وأوضح أن الدولة الواحد لا يعني انصهار كامل للفلسطينيين والاسرائيليين، بل على مبدأ أمثلة اخرى في مجتمعات الدول الفيدرالية، أي أن الهوية الوطنية الفلسطينية لن تغيب.
وأكد على ضرورة قلب المعادلة، فبدلا من المطالبة بالحل اولا ثم الحقوق، على العرب المطالبة بالحقوق أولا للشعب الفلسطيني ثم التفكير في الحل، مشيرا إلى أن أي حل لا يرتكز على الحقوق المتساوية للفلسطينيين والاسرائيليين هو غير ناجح.
ودعا المعشر إلى عدم التخوف من حل الدولة الواحدة لأن عدد الفلسطينيين في الاراضي المحتلة والتي تسيطر عليها دولة الاحتلال فاق عدد الاسرائيليين، إذ بلغ عدد الفلسطينيين وفق آخر الاحصاءات 7.4 مليون نسمة مقابل 6.8 مليون اسرائيلي يهودي، و0.4 مليون نسمة اسرائيلي غير يهودي.
خيار الدولة الواحدة كان رئيس الوزراء السابق الدكتور عمر الرزاز قد تحدث فيه إبان ولايته (تموز 2020) في لقاء أجراه مع صحيفة الغارديان البريطانية.
تلك التصريحات فسرت آنذاك على أن رئيس الوزراء يتحدث بما يعاكس الموقف الأردني الرسمي الذي يرى بحل الدولتين خيارا ومخرجا لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران.
وكان من نتيجة ما قيل عن حديث الرزاز عن خيار الدولة الواحدة أن نشرت وكالة الانباء الرسمية آنذاك نقلا عن الرزاز قوله: “بحسب ما نرى، فإن أي خيار آخر غير حل الدولتين، سيدفع المنطقة والعالم إلى حالة من الفوضى”. و”نحن ضد الخطوات الأحادية وخطة الضم، كما إننا ضد أي خطوات ليست ضمن خطة شاملة تقود إلى حل الدولتين”.
وزاد “ان الأردن يتحدى أي مسؤول إسرائيلي أن يوافق على “الدولة الواحدة الديمقراطية” حلا للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، في إشارة إلى أنّ حل الدولة الواحدة مرفوض أساساً لدى الإسرائيليين”.
هل يقبل ساسة الاحتلال؟
ويرفض ساسة الاحتلال ذاتهم خيار الدولة الواحدة، باعتباره يتعارض مع قانون الدولة اليهودية أو قومية الدولة الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في العام 2018، وذلك كون الذهاب باتجاه دولة واحدة ديمقراطية بحقوق متساوي يعني بالنسبة للاحتلال:
أولا: أن العامل الديمغرافي سيكون في صالح الفلسطينيين وأن ذلك سيعني أنه من الممكن ان يأتي رئيسا لوزراء حكومة “إسرئيل” في المستقبل شخصا عربيا فلسطينيا اسمه أحمد أو محمد.
ثانيا: أن دولة الاحتلال لن تسمح بتحقيق ذلك، لأنها عند ستعلن عن نفسها أمام العالم بشكل واضح وصريح أنها دولة فصل عنصري وهي التي تصور نفسها لدى العالم الغربي على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
وسط كل ذلك تبقى حالة الاستعصاء السياسي قائمة على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهذا الاستعصاء يرى فيه محللون أنه يصب في صالح دولة الاحتلال التي تحترف شراء الوقت وتحقيق ما تريد من مشاريع على الأرض عبر فرض أمر واقع جيوسياسي جديد.