دفع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أمام محكمة فدرالية في ميامي الثلاثاء، ببراءته من التّهم الجنائية الموجّهة إليه والمتعلّقة بتعمّد إساءة التعامل مع أسرار حكومية ورفض إعادة وثائق سرّية والتآمر لإخفائها، وذلك خلال جلسة تاريخية أصبح معها أول رئيس سابق يمثل أمام محكمة فدرالية.
“ندفع بالبراءة”
وقال تود بلانش محامي ترامب خلال الجلسة “نحن بالتأكيد ندفع بالبراءة” من هذه التّهم.
وأفاد صحافي في وكالة فرانس برس أنّ الرئيس السابق التزم الصمت طوال الجلسة التي كان وجهه فيها مكفهرّاً وقضاها يحرّك ذراعيه بين وضعيتي التكتيف والبسط.
وهذه هي المرة الثانية التي يمثل فيها ترامب أمام محكمة لمواجهة تهم جنائية، إذ إنّ محكمة في مانهاتن وجّهت إليه قبل عشرة أسابيع تهماً جنائية على خلفية دفعه أموالاً لشراء صمت ممثلة.
لكن هذه هي المرة الأولى التي توجّه فيها إليه تهم جنائية من قبل محكمة فدرالية، في سابقة في تاريخ الرؤساء الأميركيين السابقين.
والملياردير الذي سيبلغ السابعة والسبعين الأربعاء، متّهم بالاحتفاظ بأسرار حكومية أخذها معه بشكل غير قانوني إلى منزله في فلوريدا لدى انتهاء ولايته في 2021، وبرفضٍ إعادتها حين طلب منه رسمياً ذلك، والتآمر لعرقلة عمل المحقّقين الذين كانوا يسعون لاستعادتها.
وهو متّهم أيضاً بكشف أسرار أميركية حساسة لأشخاص لا يحملون تصاريح أمنية، في قضية أكثر خطورة من القضايا الأخرى التي واجهها، ويمكن أن تصل عقوبتها إلى عقود من السجن.
وتتضمّن لائحة الاتّهام المكوّنة من 49 صفحة، صوراً تظهر الصناديق التي كان من المفترض أن تكون في الأرشيف الوطني مكدّسة في قاعات رقص وغرف نوم وحمّام في منتجع مارالاغو، مقرّ سكن ترامب في بالم بيتش.
وخلال الجلسة تبلّغ ترامب من قاض فدرالي التّهم الموجّهة إليه.
لكن على الرّغم من خطورة التّهم الـ37 الموجّهة إليه، لم يتخلّ ترامب عن نبرة التحدّي التي تسلّح بها منذ بدأت التحقيقات في هذه القضية، مؤكّداً أمام جمع من أنصاره إثر مغادرته المحكمة أنّ كل شيء “على ما يرام”.
والملياردير الجمهوري الطامح للعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات العام المقبل غادر المحكمة قاصداً مطعماً كوبياً احتشد فيه جمع من أنصاره.
وقال ترامب مخاطباً الجمع “أعتقد أنّ الأمور تسير على ما يرام”.
من جهتهم أنشد أنصار الرئيس السابق على مسامعه أغنية “عيد ميلاد سعيد” وذلك عشية احتفاله ببلوغه الـ77 من العمر.
ومن المقرّر أن يلقي ترامب خطاباً أمام أنصاره في نيوجيرسي في الساعة 20:15 (00:15 ت غ الأربعاء).
وعُزِّزت الإجراءات الأمنية حول قاعة المحكمة الفدرالية في وسط مدينة ميامي.
وكتب ترامب على منصّته “تروث سوشال” أثناء توجّهه إلى المحكمة “إنه يوم من أكثر الأيام حزنا في تاريخ بلدنا. نحن أمّة في انحدار”، مكرّراً اتّهاماته بأنّ المحاكمة “ملاحقة” سياسية له.
وتجمّع العشرات من أنصار ترامب قرب قاعة المحكمة، حيث ارتدى بعضهم قبعات حملت شعار “لنجعل أميركا عظيمة مجدّداً” ورفع آخر لافتة كتب عليها “اتّهموا جاك سميث”، المحقّق الخاص المكلّف الإشراف على التحقيق.
وكانت الشرطة مستعدة لمواجهة أي احتجاجات أو اضطرابات محتملة، لكنّ الأجواء كانت احتفالية مع بثّ محطة إذاعية محلية موسيقى السالسا الكوبية.
وكان ترامب الذي اجتاز موكبه المسافة التي تستغرق 25 دقيقة من نادي الغولف الذي يملكه في دورال إلى مقر المحكمة، قد انتقد على “تروث سوشل” أيضا صباح الثلاثاء سميث واصفا إياه بأنه “أخرق”.
عرقلة عمل المحققين
وتعهد ترامب، المرشح الأوفر حظا للفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في 2024، البقاء في السباق بغض النظر عن نتيجة القضية، مطلقا للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة حملة تتواجه فيها معركتان، قانونية وانتخابية.
وليست هذه المتاعب القانونية الوحيدة للرئيس السابق، إذ يتهم بالاحتيال المالي في نيويورك في قضية من المقرر أن تبدأ جلساتها في آذار/مارس القادم.
وينظر المحقق الخاص جاك سميث الذي يقود تحقيقات قضية الوثائق السرية، في دور ترامب في أحداث الكابيتول عام 2021، بينما ينظر محققون فدراليون وعلى مستوى الولاية في مساع له لقلب نتيجة انتخابات 2020.
العين بالعين
واتّحد حلفاء ترامب في الكونغرس ومنافسوه في سباق البيت الأبيض دفاعا عنه بعد توجيه الاتهام الأخير له، فشجبوا استخدام الحكومة القضية “سلاحا” ضد المحافظين.
وواجه بعض المشرّعين الجمهوريين انتقادات بسبب خطاباتهم التي يمكن أن تحضّ على العنف، ومن بينهم النائب عن لويزيانا كلاي هيغينز الذي طلب من أنصاره “شد الأحزمة”، والنائب عن أريزونا أندي بيغز الذي كتب في تغريدة “بلغنا الآن مرحلة الحرب. العين بالعين”.
وتُعرف المنطقة الجنوبية لفلوريدا بأنّها “محكمة صاروخية”، وهو تعبير عامي يستخدم للدلالة على المحاكم التي تضغط من أجل العدالة السريعة أو البتّ بالقضايا بشكل سريع، بحيث لم تستبعد السلطات استكمال المحاكمة قبل انتخابات عام 2024.
وسينصبّ الكثير من التركيز في الإجراءات الأوّلية على القاضية آيلين كانون، وهي من القضاة الذين عيّنهم ترامب وتمّ اختيارها لهذه القضية بشكل عشوائي وسيكون لها تأثير هائل على مدى سرعة تحرّك الأمور.
وأصدرت كانون سلسلة من الأحكام لصالح ترامب في وقت سابق في هذه القضية ما أدّى إلى عرقلة التحقيقات لأسابيع، إلى أن قضت محكمة استئناف محافظة بأنّها تصرفت خارج نطاق سلطتها.
لكنّ قاضياً آخر أشرف على جلسة توجيه الاتّهام.