مرايا – بقلم الدكتور فراس الجحاوشة
وإن يعتقد البعض أن “الأمن والأمان” أصبحت عبارة مستهلكة ولم تعد شعارا رنانا ومؤثرا يُعوّل عليه في الخطابات، لكنها كالأكسجين، لا أحد يكترث بالحديث عن وجوده، إلا أن غيابه يعني غياب الحياة حرفيا وسريعا.
قد يكون مرّ علينا وقتٌ حَمّل فيه مسؤولون هذا الشعار ما لا يحتمل ووظفوفه خارجا عن سياقه، ترويجا لقراراتهم غير الشعبية والتي ربما كانت صائبة وربما كانت فادحة، لكن موضوعنا أن ذلك كله يشبه طبقة الغبار التي يكفي أن تمسحها عن قطعة الذهب، حتى يبهجك بريقها.
ما دفعني لاستحضار هذا الشعار اليوم، هو حديث رئيس الوزراء بشر الخصاونة قبل أيام خلال لقاء جمعه مع طلبة جامعيين وشبابا في جامعة مؤتة، عن دور دائرة المخابرات العامة في المسار التحديثي للمملكة في مئويتها الثانية.
ولقد لفتني حديث الخصاونة مجددا وبلغة واضحة، “على البساط الأحمدي” كما يقال، عن انخراط الدائرة في هذا الشأن وبشكل علني، لعدة أسباب.
أولها أننا تعودنا على صمت المخابرات، فهو جهاز شديد السرية ويعمل بصمت، وقليل الكلام والإعلان عما ينخرط فيه أو ينفذه من مهمات دقيقة وحيوية لأمننا الوطني.
وثانيا، أن الحديث العلني عن دور الدائرة ليس زلة لسان أو كلاما في الهواء، بل يحمل رسائل.
ما أستنتجه، أن هذه رسالة واضحة من الدولة ممثلة بأرفع مسؤوليها وأكثرهم نفوذا، بأن الرؤية التطويرية واحدة من أركان مستقبل الأردن واستقراره و”أمنه وأمانه”، وإلا لم تكن الدائرة لتنخرط في دعم المنظومة السياسية وعلنا، ففي الصورة الأوسع، يصبح تسهيل تحقيق هذه المنظومة وضمانها دون عراقيل، جزءا من مسؤوليات الدائرة.
ومن الواضح أن جلالة الملك ماضٍ في إنفاذ رؤيته التحديثية، وبتكامل وتدرج سلس، فهو الذي وجّه الدائرة قبل عامين تقريبا، بالعمل على التحرر من العبء الذي تولته نيابة عن كثير من مؤسسات الدولة نتيجة لظروف عصفت بالبلاد في حقبة مضت، وعلى اعتبار أننا قطعنا خطوات واسعة في مشوار التحديث وإعادة تأهيل المؤسسات لتولي اختصاصتها ومهامها المعنية بها.
ولذا نحن اليوم أمام تأطير ملموس لجدية الدولة ومن خلفها جلالة الملك في إحداث التغيير باعتباره خيارا لا بديل ولا تراجع عنه سياسيا واقتصاديا.
ومن الواضح أن جلالة الملك باعتباره رأس الدولة مصر على ممارسة “الضغط من فوق”، على جميع المستويات، ويبقى علينا نحن الأردنيين أن نمارس “الضغط من تحت” عبر الانخراط في مسارات التحديث بالمشاركة الفعالة وخاصة من خلال الشباب الذين يشكلون الشريان الرئيسي في الحياة السياسية والتحديث الشامل، فالمستقبل مرهون بالعمل الحزبي الحقيقي والقائمين عليه.