عمر كلاب.
في كل حرب شيء مما قبلها, كما يقول الاستاذ محمد حسنين هيكل, وأُضيف حتى لو مضى عليها نصف قرن, فما بين السابع والسادس من اكتوبر, سرّ يجب تفكيك شيفرته, فالتواريخ ليست عبثا, واستحضارها لا يأتي من باب المصادفة, واذا كان السادس من اكتوبر قبل نصف قرن, قد افضى الى تحريك المياه الراكدة بين مصر واسرائيل وانتج كامب ديفيد, فإن السابع منه, سيفضى الى تسويات كبرى بين اسرائيل والفلسطينيين, بعد ان فشلت كل محاولات القفز عن القضية الفلسطينية بتطبيع العلاقات مع الجوار العربي او المحيط العربي, وقد سبق للعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني أن حذر من ذلك القفز, دون اصغاء من الدول المؤثرة ومن الحكومة الاسرائيلية.
ولأنني لا اميل الى عقلية المؤامرة ولا استكين لها كليا, بمعنى لا انفيها ايضا, فإن ما حدث ليس بعيد عن اكتوبر القرن المنصرم, الذي جاء بناءا على نصيحة الثعلب هنري كيسنجر الى الرئيس الراحل انور السادات, ” نحن ندير ازمة ولا نملك حلولا”, فكانت حرب اكتوبر 1973, التي وصفها الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقتها, الحكيم جورج حبش, بأنها حرب تحريكية لا حرب تحريرية, وحتى لا تكون مآلات اكتوبر القرن الطازج, كما مخرجات اكتوبر القرن السابق, فإن على حماس وقيادتها ان تدركا جملة حقائق, اولها ان الحرب لا تحقق نصرا او تنتج هزيمة, بل ما يلي الحرب على المسار السياسي, هو الذي يمنح الحرب علامة النجاح او الرسوب.
الحالة الفلسطينية القائمة لا يمكن ان تحقق نصرا سياسيا, طالما ان الورقة الفلسطينية ممزقة بين غزة والضفة, بين عقل السلطة المثلجة في فريزر المفاوضات العبثية, وعقلية غزة الفائرة بنيران المقاومة, دون نموذج سياسي قابل للانتقال الى خانة التطبيق على الارض, فنجاح حماس وفريقها المقاوم في رفع كلفة الاحتلال الاسرائيلي على حكومة وانصار الحكومة الاسرائيلية, هو بداية العمل وليس نهايته, فكل سلام مثمر او اثمر, كان على هدير المدافع, فالمدفع يوصل الى السلام او الاستسلام, والفارق تصنعه المهارة السياسية في تطويع السياسة للمدفع, وجاهزية المدفع لخدمة السياسة, ودون فهم عميق لهذه الثنائية, ستبقى الحالة الفلسطينية رهينة التمزق, ورهينة التهدأة الطويلة او القصيرة, دون الوصول الى الاهداف المشروعة فلسطينيا والمتفق عليها من الكل الفلسطيني, واعني دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس.
حماس اليوم وحدها تمتلك الشرعية والمشروعية في فلسطين, ولا اظن صندوق اقتراع او ورقة قياس رأي, تعاكس هذه الفرضية, واذا ما نجحت في التخلي عن الشوفينية التنظيمية, واستيعاب الحالة الفصائلية الفلسطينية تحت اطار جامع للكل الفلسطيني, فستكون هي صانعة الامل والحلم الفلسطيني بالدولة والكرامة, وعكس ذلك, فلن تجني اكثر مما جنته حركة فتح من شوفينيتها التنظيمية بعد الانتفاضة الاولى, وقبلها من معركة الكرامة, حين استأثرت بالسلطة ورفضت الشراكة الوطنية, فخسرت السلطة ولم تكسب المقاومة رغم اسبقيتها وجهدها وجهادها, فالتاريخ لا يتكرر على شكل صدفة كما اسلفنا ولا يتكرر مرتين, وعلى حماس ان تمسك الفرصة وتطرح مشروعا سياسيا وطنيا وحدويا, ثم تسلّح السياسي باوراق تفاوض قوية, كتلك التي حملها المفاوض الفلسطيني بعد الانتفاضة الاولى, لكنها لم يحسن استخدامها.
اكتوبر السادات صنعت تحريكا ورغم ذلك حققت مصر نجاحا وطنيا باسترداد سيناء, وعلى اكتوبر السنوار ان تحقق عودة الضفة وغزة الى حضن الدولة الفلسطينية المستقلة, لانها تهدف التحرير لا التحريك, فالتحريك قد يخلق ظرفا حمساويا في غزة, لكنه لن يخلق وطنا فلسطينا.
omarkallab@yahoo.com