أكدّ وزير الخارجية البريطاني ديفد كاميرون ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك أنّ بقاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يمثل عائقًا دائمًا في قضية السلام الإسرائيلية الفلسطييني، وحل الدولتين.

وقال كاميرون و بيربوك في مقال مشترك لهما نشرته صحيفتا صنداي تايمز والشرق الأوسط، إنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي اضطرت للدفاع عن نفسها بعد الهجوم الذي نفذته حماس وفصائل فلسطينية في 7 اكتوبر، لا سيمًا وأنّه ما يزال في غزة نحو 130 محتجزًا إسرائيليًا، حيث وصفا أنّ حماس هاجمت “إسرائيل بشراسة” وما زالت تطلق الصواريخ يوميًا لقتل المواطنين الاسرائيليين.

وفي الوقت الذي يعتبر الوزيران أنّ إسرائيل تدافع عن نفسها، أكدّا أنّ على الحكومة الإسرائيلية أن تفعل المزيد للتمييز بشكل كافٍ بين مسلحي حماس، والمدنيين، والتأكد بالتالي من أن حملتها تستهدف قيادات حماس والمقاتلين في صفوفها، لا سيما مع وقوع آلاف المدنيين ضحايا بسبب الغارات المستمرة على القطاع منذ أكثر من شهرين.

وفي ما يلي نص المقال الذي حصلت عمون على نسخة منه بعنوان “إننا نجتاز أوقاتاً صعبة وخطيرة” :

والمشاهد الكارثية في الشرق الأوسط منذ الهجوم البشع الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول تجسِّد ذلك. ونحن كأبويْن، ينفطر قلبانا حُزناً عندما نرى هذا العدد الكبير من الأطفال الذين يُقتلون أو يصابون بجراح. بل إن مقتل كل إنسان بريء في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما بعده يُعتبر مأساة بحدّ ذاتها. عائلاتٌ في حالة حداد، ومجتمعات في حالة ذهول، وأزمةٌ تلف المنطقة كلَّها.

ما من أحد منا يريد لهذا الصراع أن يدوم لحظة واحدةً أطول مما يلزم. وإذ ينتمي أحدنا إلى حزب المحافظين البريطاني والآخر لحزب الخُضر الألماني، فإن لنا تقاليدنا السياسية المختلفة تماماً عن بعضها البعض. لكن كلانا دخل المعترك السياسي معتقدين أن بالإمكان، حتى في أحلك للحظات، تغيير وضع بائس نحو الأفضل. وها نحن اليوم شريكان في التوق إلى السلام، في الشرق الأوسط كما في أي مكان آخر حول العالم.

ونحن نعلم من خلال تعاملنا مع المنطقة والنقاش في بلديْنا أن هذه المشاعر تتملّك الناس على نطاق واسع. أما المتطرفون مثل حماس فهم وحدهم الذين يريدون لنا أن نعلق في دوامة لا نهاية لها من العنف، مُضحّين بالمزيد من الأرواح البريئة من أجل أيديولوجيتهم المتعصبة.

لكن لا يمكن أن يكون هدفنا مجرد وضع نهاية للقتال اليوم، بل يجب أن يكون سلاماً دائماً لأيامٍ وسنوات وأجيال. وعليه، فإننا نؤيد وقف إطلاق النار، ولكن فقط إذا كان مستداماً.

ونحن نعلم أيضاً أن الكثيرين في المنطقة وخارجها واصلوا الدعوة إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار. وإننا ندرك ما الذي يحفز هذه الدعوات الصادقة. إنه رد فعل مفهوم على هذه المعاناة الشديدة، ونحن أيضاً مع الرأي القائل بأن هذا الصراع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

ومن هذا المنطلق، دعمنا الهُدن الإنسانية مؤخرا. لقد رأينا في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني أن للهُدن جدواها. ولذلك فإننا نعزز المساعي الدبلوماسية للاتفاق على هُدَنٍ أخرى من أجل إدخال المزيد من المساعدات، وإخراج المزيد من الرهائن.

حيث لا يزال هناك أكثر من 130 رهينة في غزة. ولكل منهم أقارب وأحباء يعيشون في خوف وقلق. على حماس إطلاق سراحهم جميعا على الفور. فمن شأن قساوة احتجازهم أن تؤدي فقط إلى تأخير التقدم نحو السلام.

ومع ذلك لا بدّ لنا من أن نكون واضحين هنا. فنحن لا نعتقد أن الدعوة الآن إلى وقف عام وفوري لإطلاق النار، على أمل أن يصبح دائما بشكل أو بآخر، هي السبيل الأمثل للمستقبل.

فهذا السبيل يتجاهل السبب الذي اضطّر إسرائيل إلى الدفاع عن نفسها: فقد هاجمت حماس إسرائيل بشراسة، وما زالت تطلق الصواريخ يومياً لقتل المواطنين الإسرائيليين. على حماس أن تلقي سلاحها.

دعونا نتخيل أننا ضغطنا على إسرائيل لوقف جميع العمليات العسكرية على الفور. هل ستتوقف حماس عندئذ عن إطلاق الصواريخ؟ وهل ستطلق سراح الرهائن؟ وهل ستتغير أيديولوجية القتل عندها؟

إن وقف إطلاق النار غير المستدام، والذي ينهار بسرعة ويتحول إلى المزيد من العنف، لن يؤدي سوى إلى زيادة صعوبة بناء الثقة اللازمة لتحقيق السلام.

ويتعين علينا أيضاً أن نفكر ملياً في طبيعة أي اتفاق سلام طويل الأمد. فقد كان من الصعب تصوُّر حماس كشريك حقيقي للسلام حتى قبل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولا يمكن أن تكون لدينا أي أوهام بهذا الشأن بعد ذلك اليوم. إن ترك حماس على رأس السلطة في غزة سيكون بمثابة عقبة دائمة على الطريق إلى حل الدولتين.

لقد التقينا كلانا بالناجين من أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، ولقد شعر كلانا بآلام المدنيين الفلسطينيين الذين فقدت عائلاتهم أرواحها. ليس لدينا أي شك على الإطلاق بأننا لا نستطيع أن نتوقع من الإسرائيليين أن يعيشوا جنباً إلى جنب مع مَن نَذَروا أنفسهم لتكرار الفظائع التي ارتكبتها حماس. ولا يمكننا أن نتوقع من الفلسطينيين أن يعيشوا بين من يعرضونهم للخطر بكونهم يكمنون تحت منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم.

لكن هذا لا يعني أن ليس باستطاعتنا الآن أن نفعل أي شيء. إن من واجبنا أن نبذل كل ما في وسعنا لتمهيد الطريق أمام وقف دائم لإطلاق النار، يُفضي إلى سلام مستدام. وكلما جاء هذا مبكرا، كلما كان ذلك أفضل – فلا مجال للانتظار.

ومن جهتنا، سنركز على مجالات حيوية ثلاثة.

أولاً، يحق لإسرائيل، مثل أي دولة أخرى في العالم، الدفاع عن نفسها، بيْد أنها بفعل ذلك يتعين عليها أن تلتزم بالقانون الدولي الإنساني. فإسرائيل لن تنتصر في هذه الحرب إذا أدّت عملياتها العسكرية إلى القضاء على احتمالات التعايش السلمي مع الفلسطينيين. لإسرائيل الحق في القضاء على التهديد الذي تشكله حماس، ولكن عدداً كبيراً جداً من المدنيين قُتلوا. وعليه، يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تفعل المزيد للتمييز بشكل كافٍ بين الإرهابيين والمدنيين، وتتأكد بالتالي من أن حملتها تستهدف قيادات حماس والمقاتلين في صفوفها.

ثانياً، يجب أن نعمل على إدخال المزيد من المساعدات للأهالي الفلسطينيين. إن قلبينا يتفطران حُزناً عندما نرى الأطفال تحت أنقاض منازلهم المدمرة، ولا يعرفون أين يجدون الطعام أو الماء، ولا يعرفون مكان آبائهم وأمهاتهم. لذلك زدنا حجم تمويلنا للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وإيصال الإمدادات المنقذة للحياة إلى من هم في أمس الحاجة إليها.

وكلانا ملتزم ببذل المزيد من الجهد. ونرحب بإعادة فتح إسرائيل معبر كرم أبو سالم. إننا بحاجة إلى توصيل المساعدات إلى غزة دون عوائق وبشكل مباشر عبر أكبر عدد ممكن من نقاط العبور، حتى يتسنى بدء تدفق كميات من المساعدات أكبر بكثير مما نشهده حاليا.

وأخيرا، يتعين على كل الذين يريدون إنهاء المعاناة أن يعملوا معا على إيجاد حل يوفر الأمن على المدى الطويل لكلا الشعبين. ولشركائنا العرب، على وجه الخصوص، دور حيوي يقومون به في هذا الشأن. فقد أظهروا التزاماً إنسانياً قوياً، ولديهم ثقل سياسي أكبر على طاولة المفاوضات. إن تأجيج التطرف يشكل تهديدا علينا جميعا، وليس على الإسرائيليين والفلسطينيين وحسب.

إن حل الدولتين يتطلب وجود إحساس بالأمان لدى الجانبين للعيش جنباً إلى جنب. لكن يسعى المستوطنون المتطرفون في الضفة الغربية إلى تخريب أي جهود من هذا القبيل، ويستخدمون العنف لترحيل الفلسطينيين عن منازلهم بالقوة. وإننا ندين بشدة هذه الأعمال البغيضة.

ويحتاج الفلسطينيون إلى فريق من القادة الذين يستطيعون منحهم الأمن والحكم الرشيد الذي يستحقون. ولا مناص لنا من ضمان عدم تكرار أعمال العنف التي نشهدها الآن. فذلك هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام الدائم.

قد يبدو من الصعب خلال أزمة كهذه التفكير فيما يبدو وأنها نهاية بعيدة عن متناولنا. ولكن لا مناص من ذلك. فنحن نريد أن يتوقف القتال، ليس اليوم فقط، بل في المستقبل أيضاً. ونريد نهاية للقتل ليس اليوم وحسب، بل في المستقبل أيضاً. إننا نريد السلام للأطفال الإسرائيليين والفلسطينيين، اليوم وفي المستقبل. إن هذا العدد الكبير من الخسائر المأساوية بالأرواح يجبرنا على التحرك اليوم، مع التركيز في الوقت ذاته على كيفية تحقيق هذا الهدف في المستقبل.