بين خبراء زراعيون وبيئيون، أن التفكير بإغراق كيان الاحتلال لمجمع أنفاق تستخدمه حركة المقاومة الإسلامية – حماس في دفاعها عن قطاع غزة ضد الحرب الوحشية عليه، بمياه البحر، سيؤدي للتسبب بتخريب الزراعة في القطاع لأعوام مقبلة، كما سيؤثر على مصادر المياه الجوفية هناك، إذ ستصبح مالحة غير صالحة للزراعة.
وبينوا أن أنفاق غزة، وفق ما تقوله بعض التقديرات، يصل طولها مجتمعة إلى 500 كلم، وهي تنتشر تحت القطاع الذي تبلغ مساحته 350 كلم2، مبينين أن عملية إغراقها وفق ما يصرح به الكيان، غير ممكنة، ولكن إذا أقدم الكيان على فعل ذلك، فهذا يعني أنه قرر إعدام القطاع، إلى جانب جرائمه الإبادية بحق سكانها الفلسطينيين، وفي هذه الحالة، فإنها لن تكون صالحة للعيش لقرن مقبل، لأن آثار هذه العملية ان تمت، فستكون ذات أبعاد بيئية مدمرة للتربة والمياه، وقاتلة للتنوع البيولوجي والحيوي هناك.
سفير الأمم المتحدة للأغذية سابقا والخبير الدولي في الأمن الغذائي فاضل الزعبي، بين أن إغراق أنفاق غزة، سيقضي على الزراعة لسنوات مقبلة، لأن التربة ستصبح مالحة، وغير صالحة للزراعة، كما سيؤثر على مصادر المياه الجوفية، بحيث تصبح مالحة أيضا، ما ينفي صلاحيتها للزراعة والشرب، إلى جانب تدمير التربة بعد تحلل طبقاتها.
وقال الزعبي، إن ذلك يعني بأن تصبح غزة مكانا غير صالح للعيش لمدة قرن مقبل على الأقل، مبينا أن أي عملية لإغراق الأنفاق وفق تصريحات الكيان، غير ممكنة، لكن في حال جرى تنفيذها، وهذا يتطلب عدة عقود لاتمامه، وأموالا طائلة لتنفيذه، فالآثار ستكون متعلقة بتدمير بيئي متقصد، وغير مسبوق، وستتسبب بتدمير التنوع البيولوجي والحيوي في المنطقة، وستكون له تأثيرات مخربة على النظم الزراعية والتربة والمياه، إلى جانب تأثيراته على دول مجاورة، حتى على الكيان نفسه.
من جهته، بين مدير عام اتحاد المزارعين محمود العوران، أن ارتكاب الكيان لمحاولة ضخ مياه البحر إلى بعض أنفاق غزة، جريمة وكارثة بيئية واقتصادية واجتماعية، وسيتسبب ذلك بتدمير المياه الجوفية، التي ستصبح غير صالحة للزراعة، أما التربة فستدمر خصائصها الفيزيائية والكيمائية ما يضعف قوامها، فتغدو غير صالحة للزراعة، كما أن النباتات التي تتحمل الملوحة، لن تستطيع العيش في ظل عوامل تدميرية كهذه، لارتفاع الملوحة، وخطورة هذه الجريمة، أكبر بكثير من تسرب مياه الصرف الصحي إلى التربة.
ودعا العوران، المنظمات الدولية المهتمة بالبيئة والزراعة وحقوق الإنسان، للضغط على الاحتلال بوقف مشاريعه الإجرامية في غزة، تجاه الإنسان، والبيئة التي ستتأثر بها الأجيال الحالية وأجيال قادمة.
الباحث في الفسيولوجيا البيئية للنبات بمديرية بحوث المحاصيل في المركز الوطني للبحوث الزراعية د. عبدالله الدحادحة، بين أن ملوحة التربة، واحدة من العوامل النموذجية لتدهور الأراضي في العالم، إذ يتأثر أكثر من 830 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم بالملوحة.
وأضاف الدحادحة، أن محاولة ضخ الكيان لمياه البحر لأنفاق في غزة، كارثي، فكمية الملوحة الموجودة في البحر تقلل من تنفس التربة، وتضعف من نشاط الإنزيم، والكتلة الحيوية الميكروبية للتربة، ومعدل النمو البكتيري.
وقال إن الملوحة يمكن أن تحسن بنية التربة، لكنها قد تؤثر سلبا أيضا على نمو النباتات وغلة المحاصيل، إذ يشير Sodisity على وجه التحديد إلى كمية الصوديوم الموجودة في مياه الري، ويمكن أن يؤثر الري بالماء الذي يحتوي على كميات زائدة من الصوديوم سلبا على بنية التربة، ما يجعل نمو النباتات صعبا.
وأضاف، يمكن أن تسبب صفات المياه المالحة والسودية للغاية، مشاكل في الري، اعتمادا على نوع وكمية الأملاح الموجودة فيها، ونوع التربة التي يجري ريها، والأنواع النباتية المحددة ومرحلة النمو، وكمية المياه القادرة على المرور عبر منطقة الجذر.
وكانت تقارير إعلامية وصورا فوتوغرافية وبالأقمار الصناعية، أشارت إلى أن الكيان ركب 7 مضخات في مخيم الشاطئ للاجئين على الساحل الشرقي للقطاع، لضخ ملايين الغالونات من مياه البحر إلى مجمع أنفاق ضخم تابع لحماس في غزة.
وأعرب خبراء ومسؤولون إنسانيون ودوليون حينها، عن خشيتهم من تلوث المياه الجوفية بالمياه المالحة جراء ضخ مياه البحر في ذلك المجمع، ما يترتب عليه عواقب كارثية، تحرم الغزيين من الحصول على مياه الشرب، الشحيحة أصلاً.
وبينوا ان ملوحة مياه القطاع الجوفية عالية بالفعل، وتزداد بسبب ارتفاع منسوب البحار والمحيطات، يضاف إلى ذلك الاختلال المزمن في شبكة الصرف الصحي، والاستخدام غير المنضبط للمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب في مناطق الزراعة المكثفة بغزة، مبينين أن لهذه العوامل الثلاثة، عواقب خطرة للغاية على نوعية المياه في غزة.
وحذر خبراء في البيئة، من أن هذه العملية الإبادية، قد تؤدي إلى كارثة بيئية، تتسبب في أن تصبح غزة بدون مياه صالحة للشرب، وتدمر القدر الضئيل من الزراعة الممكنة في المنطقة التي تبلغ مساحتها 141 ميلاً مربعاً.
وقالوا، إن مياه البحر التي يجري ضخها في مئات الكيلومترات من الأنفاق التي تتقاطع مع التربة الرملية المسامية في غزة، ستتسرب حتما إلى طبقة المياه الجوفية التي يعتمد عليها سكان القطاع وعددهم 2.3 مليون نسمة في عيشهم وتشكل 85 % من مياههم.
وبينوا أن إغراق طبقة المياه الجوفية العذبة بمياه البحر، يتعارض مع المعايير القانونية والحقوقية التي طورتها البشرية، فعملية إغراق الأنفاق سيشكل أيضا مخاطر على سلامة الأرض التي بنيت عليها غزة، المنطقة الأكثر كثافة سكانية في العالم. وإذا انهارت تحت المناطق المبنية جراء القصف المدمر لها بطائرات الاحتلال وقذائفه، فقد يؤدي ذلك لسقوط المباني المتبقية فوقها أيضًا.
وقال برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة “يجب حماية طبقة المياه الجوفية الساحلية، وهي خزان طبيعي تحت الأرض يمتد من سلسلة جبال الكرمل في الشمال إلى شبه جزيرة سيناء في الجنوب، والنظام البيئي الهش بالفعل في غزة، حتى لا يكون هناك أي تأثير على الزراعة والصناعة والبيئة، حتى يتمكن الناس من استخدام المياه الجوفية بأمان”.