مرايا – قدم الأردن مرافعة قانونية أمام محكمة العدل الدولية وهي المرافعة الثانية له خلال 15 عاما. المرافعة الاولى تسببت بإدانة الاحتلال الإسرائيلي بجدار الفصل العنصري، واليوم يقدم مرافعة استشارية قانونية دفاعا عن حقوق الإنسان الفلسطيني، ووقف الانتهاكات التي تجري بحقه والتي شهدت الأيام الأخيرة أبشعها في قطاع غزة.
في غزة التي تم حرم إنسانها من أبسط حقوقه يموت الفلسطيني قصفا بآلة الدمار وتحت الركام، ويموت جوعا أيضا بعد أن نال الجوع منه حتى أنفاسه الأخيرة تحت انظار عالم متبلد المشاعر تجاه أفظع مأساة يسجلها التاريخ.
متخصصون في القانون الدولي والإنساني وحقوق الإنسان وسياسيون تحدثوا لوكالة الانباء الاردنية (بترا) حول المرافعة التي تم تقديمها في المحكمة يوم الخميس الماضي، وقالوا إن الاردن يقف بكل ما أوتي من إمكانيات مع القضية الفلسطينية، وفي الحرب على غزة كان حاسما ورفع صوته في كل دوائر القرار الدولي بوجوب وقف الحرب وتقتيل الفلسطينيين الأبرياء والعزل في حرب إبادة مع سبق الإصرار والترصد.
المحلل السياسي مالك العثامنة قال، إن المرافعة الاردنية هي استشارية بالدرجة الأولى وجاءت بطلب من المحكمة الأممية لأن لشهادة الاردن أهميتها السياسية الى جانب ثقلها القانوني خصوصا فيما يتعلق بممارسات الاحتلال بالضفة الغربية والقدس.
وأضاف العثامنة، إن الأهمية السياسية للمرافعة الاردنية لها سياقان: سياق اردني يتعلق بالدولة الاردنية الاكثر قدرة على توصيف الحالة بما تملكه من وثائق وأدلة تثبت ممارسات الاحتلال، وسياق الحالة الراهنة في ممارسات عدوانية مفضوحة صار العالم يراها في العدوان اليومي المستمر على غزة.
وبين أن الثقل القانوني ينطلق أساسا من ان الاردن تحديدا ولتاريخية علاقته بفلسطين لديه القدرة القانونية في كل ما يتعلق بإثباتات الارض وواقع الحال في الضفة الغربية المحتلة، ومع الاخذ بعين الاعتبار أيضا ان الاردن له حضوره السياسي الوازن، فإن الشهادة التي طرحها عبر وزير الخارجية والفريق القانوني المرافق ستكون موثقة في اروقة الامم المتحدة كحالة حاضرة وفاعلة ولها اثرها.
وقال الخبير في مجال القانون والسياسة الدولية المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين، إن الجمعية العامة التابعة للأم المتحدة تقدمت أخيرا بطلب فتوى من محكمة العدل الدولية في قرار سبق اعتماده في كانون الأول من العام 2022 تحدث عن التبعات القانونية الناجمة عن انتهاكات إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتغيير التكوين الديموغرافي لمدينة القدس.
وأضاف، إن لمحكمة العدل الدولية مهام متعددة حيث إنها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتتولى الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية وفتوى بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وهي المحكمة الدولية الوحيدة التي تتولى تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
ولفت إلى أن الإجراءات المطروحة اليوم أمام المحكمة تختلف عن القضية المرفوعة أمامها من قبل جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وبالتالي فهي مرتبطة حصرا بالفتوى المطلوبة من المحكمة.
وبين حدادين أن مشاركة الحكومة الأردنية من خلال إبداء مرافعتها أمام المحكمة هي للمساهمة في اصدار فتوى مفادها إثبات ممارسات الاحتلال في الانتهاكات بحق المدنيين من الشعب الفلسطيني من خلال أسانيد واثباتات قانونية وفقا للقوانين والاعراف الدولية، وهذا الموقف الثاني للمملكة للترافع أمام المحكمة حيث إنها ترافعت عام 2004 عندما طلب من المحكمة تقديم رأي استشاري بخصوص الجدار العازل في الضفة الغربية على الأراضي الفلسطينية.
واشار إلى أن القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية والفتاوى السابقة يجب أن تؤول الى الوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية التي دمرت مساحات شاسعة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، لكن وبالرغم من أن القرارات الصادرة عن المحكمة والفتاوى هي ملزمة قانونا لكن لا تملك المحكمة أي وسيلة لتنفيذ أحكامها وقراراتها بشكل مباشر وتنفيذي، وبالتالي وجب على جميع الدول ضمان تنفيذ جميع التدابير المؤقتة التي تأمر بها المحكمة لمنع الاستمرار بالاعتداءات على المدنيين الفلسطينيين وإدخال مساعدات الى قطاع غزة المحاصر.
من جانبها قالت أستاذة العلوم السياسية والمختصة في الشأن الفلسطيني الدكتورة أريج جبر لبترا إن المتتبع للدور الأردني خلال مرحلة ما بعد طوفان الأقصى يدرك بشكل جلي تلك التوأمة التاريخية واللحمة المصيرية والوقفة السياسية جميعها تؤكد أنه ما حادت بوصلتنا عن فلسطين ككل قضيتنا المركزية والأهم.
ولفتت إلى ان القيادة الهاشمية تنبهت للمخططات الصهيونية القائمة على تمزيق ما تبقى من طموحات المشروع الوطني الفلسطيني والإجهاز على أية مساع رامية لحق تقرير المصير وقيام دولة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك لتضع مخططا قائما على التهجير والتفريغ الديمغرافي وتغيير الوضع القانوني القائم وبما يخالف قرارات الشرعية الدولية، وتأزيم الموقف السياسي في المنطقة ليدخل في إطار من الصراع والعدوان وبدت المنطقة على شفير حرب إقليمية متعددة الأقطاب.
واضافت، مع كل هذه الانتهاكات الاسرائيلية ستبدأ معها مرحلة اللاعودة للاستقرار أو السلام، ولذلك عمد الأردن إلى حراك سياسي يشكل امتدادا تاريخيا لموقف الهواشم من فلسطين وقضيتها، ولكن هذه المرة بشكل أكثر ديناميكية وبراغماتية وباتجاهات عدة.
وقالت ، إن الملك عبدالله الثاني اعتمد على حضوره السياسي عربيا ودوليا، وعلى سمعة الأردن وحضوره في المحافل الدولي فخاطب العالم أجمع من خلال منبر الأمم المتحدة عبر جمعيتها العامة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وحرك الوجدان العربي من خلال القمم العربية المنعقدة بصفة طارئة ليؤكد أنه لا استقرار يمكن التعايش معه دون حل سياسي يرتكز على قضيتين تتابعيتين؛ أولاهما حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والثانية قيام دولة فلسطينية وفقا لقرارات الشرعية الدولية، مصحوبا بسعي كافة أقطاب القوة والتأثير دوليا وعربيا بالضغط من أجل إنهاء العدوان على غزة وتهدئة الأوضاع في الضفة الغربية ضمن وقف شامل ومستدام لإطلاق النار لوقف جرائم الحرب والإبادة والانتهاكات الجسيمة.
وأشارت الى أن هذا الأمر كان سابقة على جميع التوجهات السياسية التي دعت لهدنة مؤقتة قصيرة أو طويلة المدى، وشخص الأردن الحالة الفلسطينية باعتبارها ردا على ما يزيد على سبعة عقود ونيف من سياسات الجور والاستعمار للكيان المحتل.
وتابعت أن الأردن خاطب العالم عبر المنابر الإعلامية كافة ومنصات وفضاءات التواصل لوضعها عند التزاماتها الدولية، وعلى الجانب الآخر التقط وزير الخارجية أيمن الصفدي إشارات القيادة الهاشمية وعمل بمسارات متعددة وضمن نهج متسق ومنسجم مع الحراك الملكي لتقديم ترجمة عملية واضحة للموقف الأردن وتوضيح مبتغاه وهو أن الأردن لا يريد سوى الأمن والسلام وقيام دولة فلسطينية يقبل بها الشعب الفلسطيني، دون أن يبحث عن فرص سياسية خاصة.
ورأى الأردن أن وقف الدعم المالي عن “الاونروا” لإنهاء وجودها كمنظمة أممية تقدم الخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين يقع ضمن عناوين سياسات التجويع والتركيع ويدخل في إطار جرائم الحرب، ومن أجل هذا خاطب الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والدول الوازنة في المنطقة للعودة عن استهداف “الأونروا” لما فيه من استهداف لحقوق اللاجئين وتصفية للقضية ومساس بالدور الإنساني المبذول في غزة.
وقال المستشار في حقوق الانسان الدكتور رياض الصبح، إن أي صراع مع أي جهة له مسار قانوني وآخر دبلوماسي، والأردن ما يزال مستمرا في الجهود الدبلوماسية التي تركز على وقف اطلاق النار الذي وصل حد الإبادة الجماعية.
وأشار الى أن المرافعة الاردنية مدعومة بما تم توثيقه دوليا منذ عام 1949 عن الانتهاكات الاسرائيلية.
وكان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي ترأس الخميس الماضي، وفد المملكة الأردنية الهاشمية لتقديم مرافعة المملكة الشفوية أمام محكمة العدل الدولية بخصوص الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من المحكمة بموجب القرار رقم 247 / 77 والذي صدر بتاريخ 30 كانون الأول عام 2022 بشأن “الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية”.
ووضع الصفدي المحكمة خلال المرافعة بحقيقة ما يحدث في غزة قائلا “في غزة، يموت الفلسطينيون قتلا من العدوان الإسرائيلي، ويموتون جوعا لفقدان الغذاء والدواء، اللذين تستمر إسرائيل في منعهما عن غزة في خرق للقانون الدولي الإنساني، وفي تحد للإجراءات التدبيرية التي أمرت بها محكمتكم”.
واكد أن “هذا العدوان يجب أن ينتهي، وأن ينتهي فورا. يجب أن يواجه مرتكبوه العدالة. لا يجوز أن تكون أي دولة فوق القانون. لكن إسرائيل لا تكترث، وسمح لها بأن لا تكترث بالقانون الدولي. هذه حال لا يمكن أن تستمر. الاحتلال غير شرعي. الاحتلال لاإنساني. الاحتلال يجب أن ينتهي”.(بترا- إيمان المومني)