مرايا –
«الفرد فى مواجهة المؤسسة» واحد من أهم معضلات السياسة فى تاريخها. مع قرارات الفرد قد تؤتى الإبداع والحلول المبتكرة التى عادة ما تقاومها المؤسسات، ولكن مع قرارات الفرد أيضاً قد تؤتى المغامرات غير المحسوبة والقرارات الخاطئة التى تسعى المؤسسات للحد منها.
المؤسسية، وتغليب نظرية تعدد مراكز صنع القرار وتوازنها ورقابتها المتبادلة وعدم تحديد القرار فى يد شخص محدد يأمر والباقى يطيع ولا يستطيع أن يعارض أو ينشط أو ينقض، المؤسسية بهذا المعنى قد تصبح واحدة من سمات المجتمعات المتقدمة إذن تعنى كذلك «الرشادة» فى عملية صنع القرار وعدم تغليب المصالح الشخصية أو الفئوية على الصالح العام.
وهناك من علماء المسلمين من أعتبروا أن ترجمة «الشورى» فى واقع المسلمين المعاصر تقتضى القواعد المؤسسية التى تجعل الشورى واجبة، ورأى أهل المشورة ملزماً، وباعتبار أن صانع القرار ليس شخصاً يعتمد هو المؤسسة بجملتها.
ولتوضيح الصورة أكثر، فإن الفرد الحاكم فى المجتمعات المتخلفة (أى غير صناعية وغير الديمقراطية وغير المؤسسية) كمن يقود سفينة يستطيع أن يتوجه بها فى أى اتجاه شرقاً أو غرباً، جنوباً أو شمالاً. لا قيود عليه إلا ما يضع على نفسه.
أما فى الدول الراسخة فى الديمقراطية (الديمقراطيات الموحدة) فإن الحاكم أقرب إلى قائد قطار يسير على قضبان محددة سلفاً، له مساحة من الحركة فى حدود ما هو مقبول سلفاً ومخطط للأطفال، يستطيع أن يزيد السرعة أو أن يقللها، أن يصل إلى المحطة أو أن يتجاوزها . وحتى حين يخرج على القضبان فعلياً أن يصنع قضباناً غيرها، وإن لم يستطع أن يواكب مع القضبان، فالانتخابات مقبلة وفيها يتحول الحاكم إلى محكوم والمحكوم إلى حاكم.
«ترامب» مختلف. هو يريد أن يقود سفينة محكوماً لها أن تكون على قضبان. هو يتحدى الثوابت ويرى فى نفسه أنه «المقاطع» أى الشخص الذى جاء ليقضى على السياسة المهودة فى واشنطن وأن من انتخبوه وحمّلوه هذه المسئولية كى ينقض على طريقة اتخاذ القرار الموروثة فى مؤسسات الدولة.
هو أشبه بمواطنين دخلوا على نظام التشغيل الأمريكى، والآن هناك اختبار كبير لمدى مناعة النظام الأمريكى ضد النزعة الانفرادية فى السلطة.
ولا توجد عنده مشكلة كبيرة فى أن يطلق أحكاماً عنصرية وطائفية ومهينة على فئات كثيرة من غير البيض الأمريكان. يدخل فى سياسة مضادة ومناقضة لما كان عليه سابقوه وأن هذا هو سر نجاحه.
يعلن عن «يهودية» ابنته وزوجها وابنته الأخرى وخطيبها وابنه كأنها مدعاة للفخر، بل ويعبر بكل هذا فى المجال السياسى فتتخلى الولايات المتحدة فى عهده عن فكرة وسيط السلام التى كانت تعلنها دون أن يكون لليهود فى الشرق الأوسط.
هو ليس رجلاً رأسمالياً بمعنى التقليد للرأسمالية الأمريكية التي تتوافق مع المؤسسين الكبار للاقتصاد الأمريكي. مصادر دخله فى معظمها من السمسرة والترفيه وبناء الفنادق والكازينوهات ومسابقات الجمال وبرامج التليفزيون والراديو.
هو أقرب إلى شخص هو مغامر يعشق الخروج على القواعد ويتشي بأنه شاذ ولا يمكن توقع كلامه أو سلوكه، اكتساب العداوات وفقا له متعة شخصية لأنه يظن أنه أذكى من الجميع. جزء من تحليل يشير إلى أن لديه اضطرابات شخصية من النوع «ب» بما يشمله من شخصية درامية حدّية نرجسية.
فى الدول المتخلفة، عادة ما يكون علم النفس السياسى الذى يروج بشخصية الزعيم وطفولته وعقده وتركيبته الشخصية هو أهم العلوم، لأنك لو عرفت ما يريده الزعيم فستعرف نسبة الغالبية من تفاعلات السياسة فى البلاد.
فى الدول المتقدمة، عادة ما يتراجع علم النفس السياسى قليلاً ليعطى مساحة أكبر للدراسات المؤسساتية وصراع القوى السياسية فى المجتمع وتوزيعها فى مؤسسات صنع القرار لفهم تفاعلات السياسة فى البلاد.
«ترامب» يمثل حالة سيكون فيها الاهتمام بشخصه لا يقل أهمية عن دراسة المؤسسات التي وضعت نفسها فوق هذه المؤسسات. والمؤسسات إما أن تنتصر أو أن تُهزم. وكلمة السر ستكون ممثلى الحزب الجمهورى فى مجلس الكونجرس، فإما أن ينتصروا للتقاليد الديمقراطية أو أن ينتصروا للغوغائية الترامبية.