مرايا – كتب: عمر كلاب
نجحت مؤسسات الدولة في اول اشتباك مع المجتمع الاردني, بعد دخول مخرجات التحديث الشامل حيز التنفيذ, كما اظهرت نتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية الاخير, فعلامات الثقة بالمؤسسات الوطنية ارتفعت بشكل ملحوظ, وكذلك ارتفاع مؤشرات الايجابية في استقبال الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور جعفر حسان, فحازت المؤسسات الامنية والعسكرية علامات تقارب الاجماع, وهذا مفهوم ومتوقع, في ظل نجاحات الاردن الدولة, في التعامل مع حرائق الاقليم, وبقاء الاردن واحة أمن واستقرار, وهذا دليل علاقة متبادلة بين الاردنيين واجهزتهم الامنية والعسكرية, قوامها الثقة والضرورة.
الثقة وارتفاعها بالمؤسسة العسكرية والامنية, مفهومة جدا, وهي ليست جديدة, على مجتمع عاش منذ بواكيره في عين العاصفة, وتجاوز واجتاز, كل مطبات الاقليم وفجاءاته ومفاجاءاته, لكن الذي يستحق الوقوف طويلا وبتفاؤل, حجم الارتفاع في الثقة بالمؤسسات الوطنية السياسية والرقابية والتنفيذية, في مجتمع قلق بالضرورة, بحكم ظروفه الاقتصادية الصعبة, الناجمة بمجملها عن تقلبات الاقليم, وبدرجة اقل عن طبيعة ادارة الموارد الاقتصادية, وغياب رؤية شاملة للاقتصاد السياسي والاجتماعي, القادرة على الاستجابة بمرونة ولياقة وطنية لظروف الاقليم وحساسية الاردن الاقتصادية لها.
دون شك, لعبت نزاهة الانتخابات النيابية الاخيرة, دورا فاعلا في رفع منسوب الثقة, لكن الاكثر تاثيرا بظني, هو حاجة الاردنيين ووعيهم, الى بناء مستقبلهم, بعد ان كشف الاقليم عن انيابه, وشاهد الاردني كيف اكلت الحرائق الداخلية اقطارا وادخلتها حالة الفشل او الاقتراب من الفشل وغياب الدولة, فرأى ان منظومة التحديث الشامل فرصته, تحديدا وانها مصونة ومصانة, بضمانة ملكية وحماية امنية وعسكرية, جعلت من اجراء الانتخابات على هدير مدافع الحروب وازيز رصاصه وضجيج طائراته ومسيراته امرا صعبا ان لم يكن مستحيلا لكنه جرى, وبنزاهة, لم تعهدها صناديق دول العالم الثالث, وبالمناسبة هذه النزاهة ليست الاولى وليست جديدة,–سنناقش ذلك في قادم الايام-.
جاءت الحكومة الجديدة, على وقع كل ذلك وبعده, وبرئاسة شخصية معروف عنها اشتغاله وانشغاله بالاقتصاد والتخطيط والتعاون الدولي, والاردنيون يؤلمهم واقعهم الاقتصادي اكثر من السياسي بكثير, فالرجل قادم من المكتب الخاص في المقر السامي, واشرف على رؤية التحديث الشاملة, وكان اللاعب الابرز في الرؤية الاقتصادية وربما صانعها, اي انه قادم بذخيرة ايجابية, سواء على صعيد التحديث السياسي, او الرؤية الاقتصادية, التي دخلت مرحلة المشاريع الكبرى,–ناقل المياه وسكة الحديد وشراكة استراتيجية مع الامارات العربية – ولا يوجد في سجل الرئيس الجديد, ما يخدش علاقته مع الاردنيين, الذين يبنون مواقفهم على الرئيس من بوابتي, نزاهة اليد واردنيته الطاغية, بمعنى الانحياز والانتماء, وليس في ذاكرة الاردنيين ولا في سيرة الدكتور جعفر حسان ما يخدش او يجرح ذلك.
فهو ابن البيروقراطية الاردنية بمعناها الوظيفي, اي لم يسبق له العمل في مؤسسات دولية او منظمات عليها اشارات استفهام, عند الاردنيين, وليس محسوبا على قطاع اقتصادي, وإن كان يمتلك نهجا اقتصاديا واضحا, قد لا يقترب كثيرا من الاقتصاد الاجتماعي لكنه ليس معاد له, كما شهدنا في حقبات سابقة, ومنهجه في الرؤية الاقتصادية كان واضحا, اي ان الاردنيين على معرفة بخطواته واتجاهاته, بل ويمكنهم قياس ادائه منذ اليوم الاول, الذي جاء منسجما مع طروحات الرؤية وكتاب التكليف, فانطلق الى الميدان مباشرة, وهذه علامة نجاح, يستقبلها الاردنيون بتفاؤل واع, وينتظرون النقلة الثانية من الزيارات, ولا اكشف سرا, او اكشفه, ان الرئيس اوكل الى خلية صغيرة, تفريغ زياراته والتزاماته خلالها, ووضعها في مصفوفة للمتابعة والتنفيذ.
من المرات القليلة, التي تحظى حكومة بهكذا استقبال, ليس ربما بحكم سوء في الحكومات السابقة، ولكن بحكم مزاج الاردنيين, اليوم الذين يقلقون على دولتهم, ويريدونها لائقة بهم, فقاموا بتسليف الثقة للمؤسسات الرقابية والبرلمان والاحزاب وقبلها للحكومة, اما المؤسسات العسكرية والامنية فهي موثوقة بحكم الانجاز والعمل المستمر, وهذا يعني ان فرص النجاح باليد, وعلى الحكومة ورئيسها استثمار اللحظة, فالنجاح في الثقة بالتأكيد يغري بنجاحات قادمة, وآملها قادمة.