مرايا –

حمل خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين مضامين ترسخ ثلاثية مسارات الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري على أساس غير مسبوق من العمل الحزبي والبرامجي يقوم على المؤسسية ويفضي إلى نتائج تلامس الأولويات التنموية وشموليتها بما يوفر حياة أفضل للأردنيين واستجابة الاقتصاد الوطني للحاجات الأساسية للمملكة وزيادة مقدرته على مجابهة التحديات.

 

وجاء الخطاب في دلالاته ومقاصده الشمولية ليؤكد أهمية مواصلة الجهود لإنجاح مسيرة الإصلاح. وتتجسد أحد معالمها بانتخاب مجلس النواب العشرين كبداية واقعية لمشروع التحديث السياسي وبما أتاحه القانون من فرصة لتواجد الأحزاب تحت قبة البرلمان إضافة إلى زيادة تمثيل الشباب والمرأة لإدماج كافة مكونات المجتمع في العملية السياسية والمشاركة في وضع ورسم السياسات الاقتصادية والتنموية والانتقال إلى العمل وفق البرامجية الواقعية القابلة للتنفيذ والتي تراعي المصالح العليا للدولة بعيدا عن الشعارات والشعبويات التي كلفت الأردن الكثير على مدى العقود الماضية.

 

اليوم، الحكومة والنواب أمام مسؤوليات كبيرة للتعاطي كما يجب مع ما ورد في خطاب الملك، على اعتبار أن المهام وإن كانت صعبة فإنها غير مستحيلة، وتحتاج إلى أنماط جديدة من العمل بتشاركية والاستمرار بالنهج المؤسسي الذي تؤطره مسارات الإصلاح الثلاثة، وتجويد الأداء التشريعي والرقابي والتعاون الفاعل لتحقيق النهوض الاقتصادي والحد من الفقر والبطالة والتصدي لأعباء المديونية العامة بشقيها الداخلي والخارجي وتحفيز الاستثمارات وتنشيط بيئة الأعمال، مع الإدراك الجمعي لعظم التحديات التي تواجه الأردن محليا وإقلييما ودوليا.

 

الكل يدرك الصعوبات التي تواجه الأردن اقتصاديا من نسب البطالة المرتفعة التي ما تزال فوق 22 %، والفقر، وكل التقديرات تشير إلى أنه تجاوز 18 %، وعجز الموازنة (1501 مليون دينار قبل المنح الخارجية خلال التسعة الأشهر الأولى من العام الحالي»، ورصيد الدين العام الذي وصل إلى 34.016 مليار دينار دون ما يحمله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، متضمنا مديونية كل من شركة الكهرباء الوطنية وسلطة المياه (8.4 مليار دينار)، إضافة إلى الضغوطات على البنى التحتية والأعباء الناتجة عن استضافة 1.3 مليون من الأشقاء السوريين، وغيرها.

 

كما أضاف عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة أعباء كبيرة على الاقتصاد الأردني من حيث تباطؤ الاستثمارات واختلال سلاسل التوريد قبل أن تتم مواجهتها بإجراءات استثنائية لاحتواء الضغوط التضخمية الناتجة عن أزمة البحر الأحمر وباب المندب وارتفاع كلف التجارة استيرادا وتصديرا. وسبق ذلك الظروف الجيوسياسية العالمية بخاصة الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعيات جائحة كورونا.

 

التعامل مع هذه الملفات الصعبة وغيرها يحتاج إلى البناء على ما تحقق من إنجازات حتى الآن في ما يخص مأسسة مسار الإصلاح الاقتصادي بإطلاق رؤية التحديث الاقتصادي وبرنامجها التنفيذي وما اشملت عليه من مستهدفات وبرامج تمت دراستها ووضعها بمساهمة أكبر من القطاع الخاص بكافة أذرعه مع الحاجة المستمرة للتقييم وقياس الأداء والأثر وتحديد مواطن القوة والضعف وإعادة النظر فيها بالشكل الذي يسرع وتيرة الأداء الاقتصادي ورفع معدلات النمو وتعزيز البيئة الاستثمارية والتدفقات الاستثمارية للمملكة.

 

يحتاج مجلس النواب فترة كافية للحكم على أدائه، وإن كانت الذهنية الشعبية لا تميل إلى التفاؤل الذي ينبغي أن يبقى قائما بإمكانية الخروج من الضائقة الاقتصادية وتحسين مستويات المعيشة، لا سيما أن هذه التجربة الأولى لتواجد الكتل الحزبية النيابية ومرجعياتها الأحزاب البرامجية وما قد تفرضه من مراقبة لأداء نوابها وتقييمهم استنادا إلى الارتباط الوثيق الذي أوجده قانون الانتخاب ما بين النائب المنتخب وفق القوائم الحزبية وحزبه، وهذا قد يُحدث تغييرا جذريا في التعامل مع كافة الملفات والارتقاء بالأداء التشريعي والرقابي واقتراح الحلول والمعالجات للمشكلات الأساسية بحيث يشكل الحزب مرجعية توجيهية واسترشادية لأعضائه تحت القبة.

 

ومن المهم أن يستند النائب الحزبي إلى حزبه كبيت خبرة في كافة الأمور التي تهم الوطن والشأن العام وخاصة الاقتصادية منها التي تحتاج في كثير من الأحيان إلى التخصص الدقيق لدى ممارسة الدورين التشريعي والرقابي بحيث تكون المساهمات النيابية الحزبية ذات قيمة مضافة تنعكس على جودة التشريعات والانتقال إلى مرحلة أفضل من الرقابة والمساءلة الدائمة.

 

وهذا يدعو للإشارة مثلا إلى المناقشات التي تخرج عن السياق وتبتعد عن المقاصد لدى مناقشة مشاريع قوانين الموازنة العامة والنظر في القوانين والأنظمة الناظمة للنشاط الاقتصادي.

 

الأردن أمام مرحلة جديدة من العمل السياسي والاقتصادي والإداري يؤمل أن تحقق نجاحات تؤسس لما بعدها من تعزيز العمل الحزبي والنيابي بحيث يلمس المواطن نتائجها في حياته اليومية وتسهل استقطاب الاستثمارات والعودة إلى معدلات نمو مرتفعة تلبي الاحتياجات التنموية للمملكة.

الدستور