مرايا – عمر كلاب
ما مِن شك بأن طبيعة وتركيبة المجتمع الاردني تسمح بالحديث بجرأة عن خرافات واكاذيب لاسماء فكرية وشعارات نظرية , خلقناها مثل الهة التمر التي كان الاجداد يأكلونها بعد موسم العبادة, فنحن انتجنا شعارات تصلح للحياة داخل الفكر الواحد او الدين الواحد , وليس بين تكوينين او دينين , فالحوار اعتراف بأزمة وخلاف ولا يكون بين متناقضين , وحتى نكون مخلصين في تثقيف الحالة فإن الحديث عن حوار الاديان والتعايش الديني في المستوى العقائدي ضرب من الخيال , فالنص العقائدي واضح في نفي الآخر واخراجه عن الطريق القويم , فكل دين يحمل في جذره نفي الدين الآخر ويرفض القبول به .
في الاردن ثمة تعايش اجتماعي كبير بين التكوينات الدينية والديمغرافية , ومن هنا نستطيع في الاردن على وجه الحصر ان نخوض في الموضوع بجرأة ودون مخاوف وهواجس , لكن ذلك لا يعني اننا مجتمع خال من امراض الاقليمية والطائفية , فثمة رؤوس تخرج الى العلن بين فترة واخرى , ولعل ما تعرض له رئيس الديوان الملكي الاسبق جواد العناني يكشف ذلك بوضوح , وكذلك ما عشناه في فترة الشهيد ناهض حتر , ناهيك عن التعليقات التي تمنع المعايدات بين ابناء المجتمع او الترحم على الميت من الدين الآخر , فنحن نعيش اجواء تحريض وتطرف وتحتاج الى مراجعات فكرية وسياسية والى تحمير عين من الدولة .
الحوار والتعايش يكون بين ابناء الدين الواحد الذي ينقسم الى فرق وشِيَع وطوائف , وكل دين يعيش هذه الانقسامات , وحجم الشروخ والتكفير بين اتباع الدين الواحد اشرس واكثر تطرفا من الشروخ مع الدين الآخر واذا راجعنا تاريخ الحروب والضحايا بين اتباع الدين الواحد سنجدها اضعاف ما نجم عن الحروب الدينية بين الاديان المختلفة , ولهذا فإننا نجزم بأن الحوار والتعايش بين الاديان مجرد اكسسوار واكذوبة سياسية , وان الاصل ان يكون القانون هو عامل الحسم , والمواطنة هي السيد المطاع والمحمي بالقانون والسلوك اليومي .
العلاقة بين العبد وخالقه علاقة عامودية , ولكل فرد الاحقية في نسجها والتعبير عنها ذاتيا , اما العلاقة الافقية بين المواطنين فهي علاقة محمية بقوانين وتشريعات وانظمة ولا مجال فيها للتراخي او المحاباة , فقانون السير يتم تطبيقه على الجميع والفاسد ملعون من الجميع والقاتل والسارق , واي مجاملة او خلط في العلاقة الافقية يجلب الدمار والهلاك , واي انتقال من العامودي الى الافقي يُحرج الدولة من تصنيفها المدني ويُدخلها في تصنيفات مقلقة , ويجعلها تمايز بين مواطنيها , فالمسيحي لا يحصل على مراعاة وكذلك المسلم لمجرد انه ينتمي الى هذا الدين او ذاك .
اليوم نمتلك رفاه الحديث والتحليل , لكن الصمت على الظواهر المتطرفة التي برزت في الجمعة الحزينة يفتح باب الخوف , فالبدايات تؤشر على نشوء حالة تطرف في مجتمعنا ومن جميع الاطراف والتكوينات وثمة بعبع اقليمي وطائفي في طور النشوء نراه في المباريات ونراه في الاحداث الجسام , وتحتاج الى عين حمراء والى مواجهة الظاهرة الناشئة والبحلقة في عينها مباشرة دون تسويف او طبطبة , ودون الاكتفاء بموروثنا الاجتماعي الذي يسندنا اليوم لمواجهة الظاهرة الناشئة بحسم وبأقل كلفة ممكنة , فالطائفية ليست سلوكا اردنيا ولا الاقليمية , لكن الانفتاح الكوني ومواقع التواصل الاجتماعي باتت تكشف عن ولادات خارج الرحم الوطني لمظاهر طائفية واقليمية ولا يجوز ان ندفن رأسنا في الرمال .