بهدوء

مرايا – عمر كلاب

 مفجع ما قاله وزير تنمية اجتماعية سابق عن مراكز الاحداث وما يجري في مراكزها , وكنت اثرت معه طبيعة البرامج التأهيلية التي تُقدمها مراكز رعاية الاحداث لنزلائها , وكانت الفاجعة ” لا شيء ” نقدم فقط خدمات الطعام والشراب والمنامة , داخل اسوار المراكز فيما يقوم الامن العام بالمهمة خارج المراكز , واضاف كل ما يقال عن برامج التأهيل محض كذب , فليس لدينا اي مشروع او برنامج للتأهيل او الرعاية , حتى الطب النفسي غير متوفر ولا نقدم رعاية نفسية لهم .

ما فتح الملف , الحدث الذي اقدم على جريمة بشعة عكست ظلالها على كل بيت اردني , فقد اظهر الاردنيون حالة تعاطف فريدة مع الطفلة نيبال ومع عائلتها , وبدون مبالغة فإن القضية مسّت شعور كل بيت وكل فرد طوال الايام الاربعة التي شهدت اختفاء الطفلة قبل الكشف عن جثتها وظروف مقتلها البشعة , فالضحية طفلة والقاتل حدث لا تنطبق عليه القوانين الرادعة لجريمته , فالحد الاعلى للحكم هو 12 سنة سجن اي ما يعادل تسع سنوات شمسيات .

نعم قاصرون تشريعيا امام هكذا جريمة , والاخطر اننا مقصرون بحق جيل نطلق عليه في الرخاء اسم جيل الشباب او اليافعين وفي المآسي ” احداث ” دون النظر لبيئتهم المنزلية وانعكاسها عليهم ودون النظر لسجلهم الجرمي , وماذا قدمنا لهم خلال فترة الرعاية في مراكز الاحداث , فلا يوجد انسان مجرم بالولادة او بالجينات , وإن كانت بعض الجينات قابلة للعنف اكثر من غيرها , وتلك تستوجب معالجة خاصة ومتابعة مجتمعية , فكلنا قاصرون ومقصرون , افرادا ومؤسسات .

اليوم وكما كل المجتمعات الحية , علينا الوقوف امام جريمة الزرقاء البشعة لمراجعة تشريعاتنا ومؤسساتنا التربوية والشبابية والاجتماعية , فالجريمة وقعت والجاني في قبضة العدالة , لكن ثمة الاف الاطفال ما زالوا عرضة لجرائم ومجرمين , وثمة الاف الاحداث ما زالوا قابعين في المراكز دون ادنى رعاية او اعادة تاهيل , فالانتصار لدم الضحية يكون بالمكاشفة والضغط على مواطن الخلل , فالحدث ارتكب جريمة شاركنا جميعا بها , مرة بعدم تأهيله ومرات بعدم توفير الرعاية اللازمة له في المدرسة والشارع .

علينا الاستفادة من الحدث رغم بشاعته وايلامه , ليس على طريقة إبراء الذمة بالركض نحو المطالبة بإعدام الجاني , فالقصة اعمق من ذلك , فهو جان ومجني عليه في نفس القضية , بعد ان اثبتت وزارة التنمية الاجتماعية فشلها الواضح في معالجة مراكز الاحداث وقبلها مراكز المعاقين , ونتذكر جميعا حادثة الاعتداء على المعاقين في مراكز التنمية والتي نشرتها فضائية ” بي بي سي ” , ويومها انفعلنا ومرت الحادثة , ونتذكر جيدا حادثة مقتل الطفل البشعة في الزرقاء قبل عقدين وجريمة مخيم الحسين البشعة وايضا مرت دون مراجعة ودون ادنى متابعة .

امامنا سردية سوداء من الاعتداء على الطفولة والمعاقين ومع ذلك لم نستنهض الهمم من اجل معالجة القصور التشريعي والتقصير المجتمعي والرسمي , واذا كنا فعلا مخلصين وصادقين لدم الطفلة نيبال ولسردية وفاتها المؤلمة , فعلينا الانتفاض من اجل اعادة الاعتبار للطفولة بقوانين ضامنة لحقوقهم وكذلك المعاقين , وعلينا النهوض ببرنامج وطني لاعادة تأهيل الاحداث والسجناء , وعدم الاكتفاء بشعار فارغ واجوف اسمه مراكز تأهيل واصلاح , فالسجين يدخل على جريمة او مخالفة ويخرج محترفا وكذلك الاحداث الذين يدخلون المراكز على جنحة او جريمة فيخرجون محترفي اجرام .