مرايا – كتب: عمر كلاب
لا أحب الكتابة في الشأن الديني, لكن في رمضان يرتفع منسوب الورع, ويرتفع معه منسوب القراءة الدينية, عند الذين يؤمنون بأن رمضان شهر عبادة وطاعة, وليس شهر مشاجرات ونطاعة, ودوما تستوقفني جملة مكرورة في الحوار البيني بين الفرق والمذاهب الإسلامية وبين حتى رجال الدين أنفسهم, وهي «هذا ليس من صحيح الإسلام”, حتى اللحظة لا أحد تصدى ليقول لنا أين نجد صحيح الإسلام, مؤخرا أرسل لي الشيخ زكي بني ارشيد رسالة عبارة عن جملة للشيخ محمد الغزالي الذي أعتبره أحد المجددين والباحثين المهمين, تقول الرسالة وهي تعليقاً على مقالي الذي حمل عنوان «مسلم وطناً مسيحي ديناً”, تقول الرسالة (وعلى أية حال فإنني سوف أعدّ من كبائر الإثم والفواحش، تزوير الانتخابات، وكبْت الحريات، والافتيات على الجماهير، وسأسلك هذه الجرائم مع أنواع الخنا والربا، والسرقات الكبرى، وسأعتبر الحياد في مواجهة هذه الانحرافات خيانة لله ولرسوله ولجماعة المسلمين).
أظن أن الشيخ أراد أن ينتقد ما أوردته في المقال عن التحالف بين الفقهي والسياسي, في سنوات الأحكام العرفية, وأن الفقهي هو منظر سياسي للسلطة, لا أكثر حتى وهو يصعد إلى المنبر أو يفتي بأي قضية تتعلق بالحريات التي أشار إليها الشيخ زكي عبر بوابة الغزالي رحمه الله «من مذكراته كلمة حرة”, ودون شك أسهم الإخوان المسلمون في قمع هذا المفهوم الحرياتي طويلاً وسنيناً, ولكن هذا ليس موضوعنا, الأهم هو مفهوم صحيح الدين كما استخدمه الشيخ الغزالي أكثر من مرة, ومن وصفهم في كلامه بجماعة المسلمين التي رددها ضمناً الشيخ زكي, فهل صحيح الدين ما يقوله ابن تيمية كما يقول شيوخ السلف المتشدد, أم ما يقوله سيد قطب, أم ما يقوله الشيخ الغزالي نفسه الذي جرى فصله من جماعة الإخوان المسلمين لأن عقيدته رخوة كما قالوا؟ ومن المقصود تبعاً بذلك بجماعة المسلمين, هل هم الذين يمسكون بصحيح الدين, أي هل هم الفرقة الناجية, ذلك الحديث الذي يحتاج إلى إعادة قراءة للتأكد من صحته.
اسأل بكل جدية أين أجد صحيح الدين, وكيف لي أن أصل إلى صحيح الإسلام الذي يخشى الشيخ محمد الغزالي عليه من المسلمين الذين باتوا أكبر خطر على الإسلام, وهنا اقرأ معكم الآية التي تقول: «رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا» (الممتحنة، 5) وهو دعاء يحمل فى طياته المعنى التالي: أي يا رب لا تجعلنا دليلاً يتخذه الكافرون على صدق كفرهم وكذب إيماننا فنكون سبباً في تحول الناس عن دينك لأنهم ما عرفوه إلا لأنهم عرفونا، فبدلاً من أن نكون هداة مهتدين نكون ضالين مضلين, هذه الآية وكأنها تظهّر كلام الشيخ محمد الغزالي: «إن المسلمين جدار سميك بين العالمين ودينهم»، أي إن المسلمين، بسوء سلوكهم يقفون حائلاً بين تعرف غير المسلمين على صحيح الإسلام، فأين هو صحيح الإسلام الذي نريد أن يراه العالمون, هذا الصحيح الذي لا يظهر إلا عند كل خلاف واختلاف بين الفرق الإسلامية, أو عندما يتم التشهير بأحد رجالات الدين من قبل الأحزاب الدينية, فأسهل شيء أن يقال خرج عن صحيح الدين وهذا للفرد وللجماعة.
سئمنا من المطالبة بتجديد الخطاب الديني, ذلك التجديد الذي يبدأ من الواقع وليس من النص, لمواجهة التحديات التي تفرض نفسها على المجتمعات على شكل أمراض «الجهل، الفقر، المرض، التكفير، الإرهاب، الإهمال، الاستبداد، الفساد، الادعاء”, وكلها أمراض قائمة في الواقع ولذلك لن تكون معالجتها إلا بالاستجابة الواقعية وليس بالنصوص الفقهية, وإلى حين ذلك, ستبقى تاج الفتوى بالنسبة لي عبارة الحبيب «استفت قلبك ولو أفتوك».
omarkallab@yahoo.com